IMLebanon

أمنية عون تبخّرت… بخاري لن يزور القصر

 

يحاول رئيس الجمهورية ميشال عون أن يفكّ عزلته. الجسور البرية والبحرية والجوية مقطوعة مع الخارج. لم ترسل أي دولة دعوة إلى قصر بعبدا لاستقبال “رئيسنا القوي”، ولو “لجولة سياحية”، بينما طائرة الرئيس المكلف سعد الحريري تتنقل من دولة إلى اخرى، ملتقياً زعماء دول كبيرة.

 

حالة أثارت غيظ مستشار عون سليم جريصاتي. سهر وفكّر وتمعّن في الخريطة اللبنانية وما حولها. وبعد عصف ذهني، خرج المستشار بفكرة تقوم على أن “تأتي الدول إلى القصر بدلاً من أن تذهب بعبدا إليها”… و”كبّر الحجر”، واضعاً على لوح جدار المكتب صورة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وتحتها سؤال: كيف أجذب زيارة للبخاري إلى بعبدا وأثير غيظ الحريري؟

 

إتصالات ورسائل ووسطاء. لم يترك جريصاتي وسيلة إلا واستخدمها لإتمام هدفه، لكنها محاولات باءت بالفشل. فأخذ القرار بأن “يشارك شخصياً بالمهمة”.

 

وصل رئيس الجمهورية إلى حد استجداء زيارة من سفير، ولا يختلف اثنان على أنه سفير دولة قوية ونافذة وحاضرة ومؤثرة، وتجسّد العمق العربي، ولا شك أن البخاري يعتبر من سفراء “الوزن الديبلوماسي الثقيل”، لكن في الشكل العام إن جريصاتي، ولو بإمرة من عون، أهان موقع رئاسة الجمهورية على قاعدة: “رئيس جمهورية يستجدي لقاء بسفير”.

 

حصل جريصاتي على لقاء، بعيداً من الاعلام. سمع السفير السعودي من الموفد الرئاسي “قصائد الحب العوني للسعودية”. غرقت السفارة بكلام جريصاتي المعسول: “عون ينتظرك ويحبك”. انها استراتيجية جديدة يحاول قصر بعبدا أن يبنيها مع سفراء الدول، من شأنها أن تعيد لبنان إلى الخريطة وتصنع مصالحة تاريخية بين لبنان والمجتمع الدولي. استراتيجية عنوانها: “عون ينتظرك” قادرة على اعادة العلاقات بين لبنان والسعودية، وحماية اللبنانيين في المملكة وجذب المشاريع والاستثمارات السعودية إلى لبنان.

 

إنتظر عون مطولاً ولا يزال ينتظر، وعدم تحقيق الزيارة هو موقف ليس سهلاً ولا صغيراً من البخاري. انه موقف دولة تجاه رئيس جمهورية لبنان. دولة فتحت لعون ابواب العمق العربي، بعد انتخابه رئيساً، لكنه فرّط بهذه الثقة العربية، وأكمل دفع الفواتير لـ”حزب الله” وإيران، في لبنان والمحافل الدولية، مدافعاً عن السلاح غير الشرعي، وصارفاً النظر عن الاعتداءات الارهابية التي تتعرض لها المملكة من إيران.

 

فشل جريصاتي في تحقيق الزيارة، ما دفعه إلى الالتفاف على اللقاء. وما هي إلا ساعات وكُشف عن اللقاء في الاعلام، وبدأت وسائل عونية بتحميل اللقاء أكثر مما يحتمل، ووضعه في اطار الانفتاح السعودي تجاه رئاسة الجمهورية، فكيف تصرف البخاري حيال الموضوع؟

 

من يتابع حركة السفير السعودي ومواقفه، يستنتج أن هناك رداً على ما أثير في وسائل الاعلام حول اللقاء، فاختار محطة مسيحية وازنة. وبدلاً من تحقيق غاية جريصاتي بزيارة بعبدا، حطّ البخاري عند المطران الياس عودة، لأهمية موقعه الديني وسياسته العربية، في بيت الكنيسة الارثوذكسية المشرقية. كان توقيت الزيارة بالغ الأهمية، سواء بعد لقاء جريصاتي أو بعد مؤتمر الوزير السابق جبران باسيل الذي نصّب نفسه وصياً على المسيحيين وحامي المشرقية. ورداً على محاولات وضع المسيحيين في قالب “الاقليات” وابعادهم عن محيطهم، كان البخاري حاسماً في كلامه: “السعودية حريصة على المكون المسيحي في المعادلة اللبنانية”. أما الرسالة المزدوجة لـ”الوطني الحر” و”حزب الله” فكانت في جملة واضحة: “يستحق الشعب اللبناني استقراراً في وطنه، ونماءً في اقتصاده، وأمناً يبدد استعلاء القوى الظلامية على منطق دولته”. ليكمل رسائله، إلى الحاقدين على “الطائف”، بزيارة إلى أحد حرّاس “اتفاق الطائف”، ومن دارة الرئيس حسين الحسيني قال: “الطائف يؤكد أن لبنان عربي الهوى والانتماء”. لا بد من التذكير أن جريصاتي كما رئيس الجمهورية من معارضي “الطائف” ومن داعمي “النظام الرئاسي”.

 

وكانت رسائل للطائفة الشيعية سبقت هذه الزيارات، إذ قال بخاري خلال زيارته المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى: “ما من خصومة ولا عداء مع أبناء الطائفة الشيعية الكريمة”.

 

هي خلاصة واحدة: جريصاتي فشل في المهمة والسفير بخاري لن يزور بعبدا.