يؤكد السفير الكويتي عبد العال القناعي بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ مبادرة بلاده نجحت «بدليل وجودي في هذا الصرح». فيما السفير السعودي وليد البخاري يصول ويجول بين المقار الرسمية والروحية ويحيي شهر رمضان من خلال مآدب الإفطارات السياسية، وسط أضواء الكاميرات.
فعلياً، لا أحد يعرف كيف نفّذت المبادرة الكويتية وما هي الالتزامات التي تقدّم بها لبنان لكي يعود سفراء الخليج إلى لبنان بعدما غادروه على وجه السرعة، على أثر الضجيج الذي افتعل بعد الكلام الذي أدلى به وزير الإعلام السابق جورج قرداحي.
حين حمل وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح مقترحات بلاده إلى المسؤولين اللبنانيين، تبيّن أنها تضمنت 12 بنداً، بينها تفعيل لبنان ما يُعرف بسياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، واحترام سيادة الدول العربية والخليجية، وتطبيق القرارات الدولية، بالإضافة إلى منع تهريب المخدرات إلى دول الخليج، والتزام لبنان باتفاق الطائف، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وإجراء الانتخابات في موعدها، وتشديد الرقابة على الصادرات للخليج لمنع تهريب المخدرات، والتعاون بين الأجهزة. حتى أنّ بعض التسريبات تحدث عن تضمين المبادرة تحديد إطار زمني لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي!
وقد تولى وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب تسليم ردّ بلاده إلى السلطات الكويتية، وذلك نهاية شهر كانون الثاني الماضي. فيما لم يصدر عن الحكومة اللبنانية أي قرار رسمي يصنّف في إطار تنفيذ المبادرة، غير طبعاً التصريحات التي تؤكد عمق علاقة لبنان بدول الخليج والعمل على ضبط المعابر لا سيما في ما خصّ الاتجار «بالممنوعات».
لكن من يجالس السفير السعودي في هذه الأيام، يتأكد له أنّ الأزمة التي حصلت مع السعودية حول تصريحات وزير الإعلام السابق، لا تمّت لهذا العنوان بصلة، وهو لا يتوانى عن الإشارة أمام ضيوفه إلى أنّ اعتراض المسؤولين في بلاده يتجاوز تلك التصريحات إلى ما هو أبعد من ذلك. ويضيف السفير السعودي أنّ بلاده حصلت على ضمانات معينة عبر المسؤولين الفرنسيين، من «حزب الله» في ما خصّ أكثر من ملف خلافي بينه وبين السعودية. ويُستدلّ من هذه التلميحات على أنّ الرياض حصلت على ضمانات في الملف اليمني وفي مسألة التهجّم العلني على السعودية من على المنابر اللبنانية، الأمر الذي سهّل مهمة الإدارة الفرنسية بإعادة فتح الأبواب المغلقة بين الرياض وبيروت.
ولكن أبعد من ذلك، لا تزال السعودية تتعاطى مع الملف اللبناني على أنّه غير مدرج على جدول اهتماماتها. يقول أحد المتابعين إنّ حركة السفير السعودي في لبنان، فيها الكثير من المبالغة الإعلامية، وهي ليست مؤشراً لتحديد طبيعة السياسة السعودية تجاه لبنان بعد مرحلة التوتر والجفاء.
يؤكد أنّ عودة السفير إلى لبنان لا تعني أبداً تكرار التجارب السابقة في دعم حلفاء السعودية في الاستحقاقات بمعنى استنساخ استحقاق العام 2009 وما قبله حين كانت الرياض شريكة جدية في المعارك الانتخابية. وفق المعنيين، المشهد ليس شبيهاً أبداً حتى لو جرى دعم بعض اللوائح الانتخابية، لكن ليس على نحو يذكّر بما حصل في مرحلة ما قبل 2009. ويشير إلى أنّ الاختبار الأهم لمدى عمق القرار بعودة السعودية إلى لبنان، وجدّيته، سيكون بعد فتح صناديق الاقتراع، سواء عند الاستحقاق الحكومي أو الرئاسي. حينها سيتبيّن ما إذا كانت الرياض شريكة في هذه الاستحقاقات أم أنها ستبقى بمنأى عن الملف اللبناني. لكن الأكيد هو أن السفير البخاري عاد ليبقى في بيروت، وزيارته ليست موَقتة قد تنتهي في القريب العاجل. وكلّ ما يحصل اليوم هو مجرّد ملاقاة للمبادرة الفرنسية من خلال فتح كوة في جدار العلاقة اللبنانية – السعودية لتبريد الأجواء وترطيبها، بانتظار الترتيبات الكبيرة.