IMLebanon

المُعلّم… و”فجيعة” التعزية

 

زاد فخامة الرئيس في الرقَّة معزياً بوليد المعلم كما لو كان يؤبّن “ميترنيخ”. كان أفضل لو ترك المهمة الجليلة للفصيح القائم بأعمال جبران باسيل في قصر بسترس. وحتى لو اقتضت اللياقات والبروتوكولات مشاطرة نظيره السوري حزنه فلم يكن مضطراً الى “التنويه” بمآثر الفقيد وأفضاله على الشعبين السوري واللبناني، أو كان عليه تعداد بعضها لنضعه في سجل ذهبي.

 

حبذا لو انتهز فخامته مناسبة العزاء ليذكِّر الرئيس الأسد بواجب الوفاء بوعود وزير خارجيته الأمين في شأن وقف التهريب وترسيم الحدود بين “البلدين الشقيقين”. فالمُعلم لم يترك مناسبة تعتب عليه أو مقابلة صحافية إلا وذكَّر بعمق “الأخوة الصادقة بين الدولتين السورية واللبنانية” وبأن التهريب عيب أخلاقي وجرم “شرعي” فيما الترسيم “أمر بديهي بين بلدين مستقلين”.

 

برقية التعزية لا تحتمل الشرح الطويل. لكن فخامته، وهو على أبواب ختام عهده بعد أقل من سنتين، كان يستطيع ترك بصمة للتاريخ من خلال تحميل “وزير النازحين” الذي مثَّل لبنان في جنازة المعلم رسالة بسيطة الى الرئيس بشار يتفجع فيها على الراحل ويذكِّره بفجيعة أمهات المدنيين اللبنانيين المغيبين بعدما اعتبر العسكريين المفقودين في 13 تشرين “خسائر حرب” يكفي حفر اسمائهم على لوحة لتذكير العابرين.

 

للشعب السوري ان يقرر هل قدَّم له وليد المعلم خلال سنوات طويلة من العمل الدبلوماسي غير الولاء للنظام واحتراف سياسات التضليل وتبرير العنف بحق المعارضين. وإذ يتذكر الدبلوماسيون الذين جايلوه لياقته، فإنهم يشفقون على تعاطيه مع نفسه كموظف صغير وعبد مأمور وليس كوزير.

 

في مناسبة رحيل الدبلوماسي الشامي “العريق” ذكَّر الأرشيف بأقوال وتصريحات كثيرة لوليد المعلم تقع كلها ضمن الخطاب البعثي التاريخي وأشهرها بلا منافس: “سنرد على العدوان في الوقت المناسب”. غير ان ثلاثة أقوال ستتحول مأثورة بالتأكيد: “بعد سبع سنوات حرب ليس لدينا قمامة في الشوارع”، و”سننسى ان اوروبا على الخارطة”، و”سوف نغرقهم بالتفاصيل وعليهم تعلم السباحة”. وواضح انها قيلت في فترات وظروف مختلفة لكنها دون السياسة وأصدق تعبير عن اسلوب تعاطي نظام دمشق مع الداخل السوري والمجتمع الدولي، وعما انتجه هذا الاسلوب من حرب وتهجير وفقر وانعدام صلة بالخارج وبكل شيء حديث.

 

لن يُذكَر المعلم بوصفه صاحب إنجاز دبلوماسي ولو بسيط، اللهُمَّ إلا القدرة على ترويج يقنع الموالين للسلطة السورية وأتباعها اللبنانيين، واحتراف اللغة الخشبية التي ورثها عن سَلَفيه الشهيرين اللذين انتهيا مغضوباً عليهما ومن البعثيين الضالين.

 

لم يترك المعلم للبنانيين ايجابية واحدة تعوض رداءة سجله ازاء سيادة لبنان واستقلاله وأمن أهله، لكن دبلوماسيين لبنانيين مخضرمين عاصروا وزراء الخارجية السوريين الثلاثة منذ “الحركة التصحيحية” قبل 50 عاماً بالتمام والكمال يتحدثون عن طيبة المعلم النسبية مقارنة مع فاروق الشرع اللئيم، وتهذيبه الشديد قياساً بعبد الحليم خدام البذيء.