دعوة رئيس المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية، تكررت أمس كالكذبة البيضاء أربع عشرة مرة. والمقعد الماروني الأول في بعبدا لا يزال منذ ما يقارب الخمسة أشهر مطوقاً بخيوط العنكبوت كأَنه مسْكَنٌ للأشباح.
المقعد الشاغر يجسّد شغور طبيعة الوجود الماروني في لبنان، والتي هي بحسب الموقع التاريخي والجغرافي، طبيعة ريادية وفاقية تناضل بسلاح العقل.
ولقد حققت المارونية العقلية بهذا السلاح «الكيمائي» جولات مجلّلة بالظفر، كان لها حضور راسخ في التاريخ. وعندما حوّل الموارنة طبيعة وجودهم العقلية الى طبيعة قتالية، تحجَّمَ بهم وجودهم التاريخي والجغرافي، وتقلّص حضورهم السياسي من «متبوعين» الى «تابعين».
في ظل هذا الواقع الرهيب الذي عصف بالعالم العربي، منذ أن فجّر العقل الصهيوني التناقض المذهبي التاريخي بين السنّة والشيعة بواسطة الآلة الأميركية في العراق.
وفي ظلّ هذه الإرتدادات المذهبية والتكفيرية المحمومة التي يشهدها لبنان اليوم، كانت الساحة تفتقد الى دور توفيقي ريادي خلاق يتولّاه القادة الموارنة العقليون ليشكلوا جسراً وطنياً جامعاً يحول دون العبور من الإلفة الى الفتنة.
ولأن الموارنة انخرطوا في لعبة الإصطفافات ليشكلوا طرفاً حاداً مقابل طرف حاد يتصادم مع الآخر ومع الذات، فإذا هم غائبون عن الدور، وغائبون عن السمع، وغائبون عن الحضور التاريخي، وغائبون عن القصر الجمهوري، ومنقسمون حتى حول تنظيم «داعش».
فقد انبرى النائب وليد جنبلاط محاولاً أن يلعب هو هذا الدور التوفيقي على المستوى الوطني، فاصطدم بتراكم التناقضات المحلية والخارجية من جهة، وانكفأ بهواجس القلق على وحدة طائفته، وعلى استهدافها من جهة أخرى.
أبرز مشهد أو مجسَّم جغرافي وتاريخي يؤكد طبيعة الدور المسيحي – الماروني بين الطوائف، يتجسد في بلدة حاصبيا الجنوبية التي يقوم فيها الحيّ المسيحي في الوسط بين الحيّ السني والحيّ الدرزي، كأنما هو الجسر الذي يجمع بينهما ويعمّق الرابط معهما، أَو كأنه يحدد مهمة القيادة المارونية التوفيقية والجامعة في لبنان.
الموارنة هم الذين فخَّخوا هذا الجسر بعبوة ناسفة، وهم الذين هزموا أنفسهم قبل أن يهزمهم الآخرون، فكأنهم في هذا يطيب لهم ألّا يتشبَّهوا بنابوليون إلا بالهزيمة، حين قال وهو في جزيرة القديسة هيلانه: «لا أحد مسؤول عن هزيمتي لقد كنت أنا أعظم عدوّ لنفسي».
وليد بك…
نعم: هذه المارونية جنسٌ فاشل.