زوجة الشهيد ما زالت كئيبة وحزينة كأنه الاربعاء 13 حزيران 2007.. كأنما لم تمرّ 8 سنوات على الغياب، فترات الراحة التي تعيشها قليلة، لكن صور الزوج والابن تعيد إليها أجواء الحزن والحنين. كيف لا وعائدة، أم خالد، ما زالت تحتفظ بأغراض شهيديها الخاصة مع الكثير من الذكريات والصور. هكذا تعيش زوجة الشهيد وليد عيدو وأم الشهيد خالد مع الذكريات، لكنّها محظوظة لأن حاضرها يجسّده أربعة أحفاد منهم وليد وخالد، فلزاهر وليد وآية ولمازن خالد ودانا وكريم، يعرفون جدّهم وعمّهم من خلال الصور ويتعرّفون عليهما لأنهما «شهيدان بطلان ضحيا بحياتهما من أجل لبنان».
في ذلك اليوم المشؤوم كانت المرة الأولى التي يرافق فيها خالد والده. ويظهر المخطط من خلال الأحداث التي كانت تحيط بلبنان في تلك المرحلة ومدى ارتباطها باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فالشهيد وليد عيدو كان ممسكاً بالمسار القضائي الذي اتّبعته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كيف لا، وهو المتمرّس بالعمل القضائي وصاحب مقولة «لا يوجد نصف حكم ولا نصف حقّ».
مع اغتيال عيدو، اتّضحت صورة الهجمة على المحكمة الدولية حين حوّل مجلس الأمن ملف المحكمة الخاصة بلبنان إلى الحكومة اللبنانية لتقوم بالتصديق عليها. ولا يمكن تفسير عملية اغتيال وليد عيدو إلا كردّ فعل من النظام السوري على قرار المحكمة الدولية التي كان لدمشق موقف سلبي منها.
كان قدر وليد عيدو الاستشهاد بعدما التزم الدفاع عن لبنان وعن الخطّ الذي اقتنع بأنه الأقصر للمطالبة باستقلال وطنه. في الجلسات الخاصة وحين يُطلب منه الانتباه إلى تحركاته كان يقول «إن رفيق الحريري استشهد لأجل لبنان، فلماذا نخاف؟». لم يغب عيدو عن ساحة الحرية وكان جزءاً من ناسها ومن صانعيها، وكانت وصيته الى قوى 14 آذار: «لقد بدأ فجر الحرية يبزغ من جديد، كونوا قلباً واحداً، كونوا عقلاً واحداً، كونوا يداً واحدة، من أبكانا دموعاً سنبكيه دموعاً بإذن الله والسلام عليكم«..
في تلك المرحلة، اعتبر عيدو أن التمديد للرئيس إميل لحود «مخالفة دستورية ووجوده في قصر بعبدا بمثابة احتلال لقصر الرئاسة«. وفي آخر حديث له مع جريدة «الأنباء» الكويتية قبل ساعات من استشهاده أكد أنه «إذا لم تكن سوريا هي التي قتلت الرئيس الحريري سنكون الى جانب سوريا أثناء المحاكمة لمنع إدانتها». كيف لا والشهيد مجاز في الحقوق من الجامعة اللبنانية، دخل السلك القضائي العام 1967 واستقال منه في العام 2000، وتدرج طوال تلك الفترة في مناصب قضائية عدو، قبل أن يُنتخب من الشعب نائباً عن المقعد السني في دائرة بيروت الثانية.
أما خالد فالكل كان يحبّه.. لم يُغضِب أحداً ولا تشاجر مرة مع أحد. لم يكن يحب السياسة أبداً، ولكن من شدة خوفه على والده في الفترة الأخيرة كان يتابع تحرّكه مع العلم أنه لم يكن يخرج معه في السيارة أبداً، وكان يقول له ممازحاً: «اذهب أنت في سيارتك وأنا ألحقك«. وكان الشهيد عيدو خائفاً على مرافقيه: «أنتم لديكم أولاد اطلعوا لوحدكم وأنا اذهب لوحدي«.
يتحدث زاهر عيدو نجل الشهيد وليد عيدو والشقيق الأوسط للشهيد خالد وللأخ الأصغر مازن بعد 8 سنوات على اغتيال الأب والأخ عن المحكمة الدولية وعن دور والده في المطالبة بها، وعن أحوال العائلة اليوم ورؤيته للأحداث السياسية بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
«إن لم نثق بالمحكمة الدولية فبأي محكمة نثق؟« يسأل زاهر، ويتابع «نحن عائلة قانونية بكاملها، فوالدي كان قاضياً وأخي الشهيد كان محامياً، نحن نؤمن بالمحكمة وبالحقيقة». حياة العائلة تبدّلت بعد العام 2007 «فلا أحد يحلّ مكان الأب والأخ، على الرغم من تراكم المسؤوليات عليّ، فوالدتي كانت السند والدعم لوالدي وخالد سيبقى دوماً الأخ البكر، هو كبير العائلة الذي نلجأ إليه كلّما أحسسنا بالضعف، هذا ما نفقده اليوم».
وعن تضحيات لبنان بالأرواح والدماء ووضعه الحالي، يقول زاهر «منذ لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى اليوم ونحن نرجع الى الوراء، لم نتقدّم ولو خطوة واحدة الى الأمام، وأتمنى أن لا يخسر لبنان المزيد من الشهداء، فحتى الآن تبيّن أن «كل لِ راحوا.. راحوا»، من دون أن ننتصر لحقّهم، فاستشهادهم لم يُحدث للبنان نقلة نوعية».