وليد عيدو، وان غُيب الجسد فلن تستطيع الايام ان تغيّب مبادئ ولدت معها، وتربيت عليها، ودافعت عنها حتى الشهادة. لقد جسدت في مسيرتك الاصالة والجرأة والكرامة لعاصمة عصت على تقلبات الدهر، وكانت دائماً منارة للثقافة والحضارة في دنيا العرب. لقد راكمت رصيداً حقوقياً ووطنياً وقومياً عبر سنوات من الجهاد والكفاح، مسجلاً الانتصار تلو الآخر في سبيل عزة بيروت وانسانها وحقه بالعلم والحياة الشريفة. ولأن موقفك الجريء، وكلماتك القاطعة، وانتصارك للعدالة، وايمانك بالشرعية، لم يرق للمؤمنين بمنطق الاقصاء، والتصفية، وفرض الرأي. ولأنك كنت شاهداً على سقطاتهم، رفعوك شهيداً، وفي ظنهم انهم اردوك قتيلاً. «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يُرزقون».
فمع تفجير موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تفجر الغضب على الارهاب في صدرك، فأسقطت الخطوط الحمراء، وسميت الامور بأسمائها، وصوبت سهامك الى القتلة، معبّداً درب الحقيقة امام العدالة، في موقف اثبت فيه، مجدداً، نزاهة القاضي الذي لا يخاف في الحق لومة لائم.
ولأنك آمنت بمشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بناء الدولة السيدة الحرة المستقلة القادرة والعادلة، ولأنك اعتبرت استهدافه بالشهادة استهدافاً لهذا المشروع الوطني الكبير، تابعت مع محبيه مسيرته في محاولة لتحقيق حلمه وحلم كل الوطنيين اللبنانيين، مما افقد قتلة الرئيس رفيق الحريري توازنهم وصوابهم، فبدأوا يشهدون فيك وبأمثالك من الاحرار اشراقة لمشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري من جديد. فكادوا لك في ليل، وفجروا حقدهم عليك في نهار تحول الى عتمة حالكة في قلوب الشرفاء. وكان رد القتلة مرآة لعقلهم الاجرامي.
واليوم، مازلنا نخوض غمار المعركة التي خضتها، لكن ظروفها باتت اكثر تعقيداً. فلبنان يشهد فراغاً في رئاسة الجمهورية منذ اكثر من سنة وهو اقرب الى تفريغ لهذا الموقع الريادي الرمز، ومجلس النواب معطل من قبل الذين يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية، وها هم يتجهون الى شل اعمال الحكومة ايضاً. وبكلام آخر، لا يزال مشروع الهيمنة على الدولة مستمراً. وهذا كله ولبنان محاط بزنار من نار الاحداث الاقليمية، في وقت صادر فيه فريق من اللبنانيين ارادة سائر اللبنانيين، بخوض حرب استباقية خارج حدود الوطن، ودفع العدو الى الداخل، في معركته ذات الاهداف الاقليمية التي يتخطى بها المصلحة الوطنية، مما جعل السلم الاهلي في مهب الرياح.
وليد عيدو! اذا كانت محاولة الخارج الهيمنة على الدولة تشكل عدواناً على السيادة الوطنية، حتى وان اتت هذه المحاولة من شقيق، فإن محاولة هيمنة فريق من اللبنانيين على الدولة، وفرض رئيس للجمهورية، ووضع اليد على قرار الحرب والسلم، وتعريض الامن الوطني والسلم الاهلي للخطر تشكل اعتداء على ميثاق العيش المشترك، ففائض القوة، في بعض الاحيان، كنقصانها.
أخي وليد! مهما طال الزمن وتقلبت الايام والمواقف، سنبقى كما عهدنا الشهيد الرئيس رفيق الحريري، وكما عهدتنا أنت، رمزاً للاعتدال في وجه التحديات التي تعصف في وحدتنا الاسلامية، أوزاعيين عندما تهدد الاخطار ميثاق العيش المشترك.
اما أنت يا خالد يا ابن الوليد، فقد نلت الشهادة التي تمناها قائد جيوش المسلمين، ودفعت ضريبة الدم باكراً عن شباب لبنان، فاهنأ مع الوالد في جنة عرضها السموات والأرض، وأما القتلة فأعمارهم قصار والاقتصاص منهم آت لا محالة.