Site icon IMLebanon

“إستضعفوك فوصفوك” يا فيّاض

 

محيِّرة مسألة الإعتداء ضرباً على الوزير وليد فياض. فالوزير مسالم ومدني حتى العظم ومحبّ للحياة. لا مرافقين بذيئين يرافقونه ولا أزلام بمسدسات ورشاشات. وإذ لا تُنكر كفاءته التقنية، واضح أنه مجرّد ساذج يجهل أن منصبه يحتّم عليه التحفظ في التحركات، والتضحية بنمط عيشٍ خاص تحسّساً مع الفقراء، أو تجنباً لردود فعل الغاضبين من تحالف المافيا والسلاح.

 

ليس الوزير فياض سوى “دمية” معلمه الذي أهدر نصف الدين العام، ونسخة مرحة من أسلافه الذين تولوا “الطاقة” نيابةً عن أحد أعمدة المنظومة الفاسدة التي أغرقت البلاد. غير ان ذلك لا يعطي المعتدي أسباباً تخفيفية أو مبررات. صحيحٌ أنّ فريق الوزير وحلفاءه بنوا تاريخهم السياسي على الترهيب والايذاء، لكن التمثل بهم يُفقد أي معارض أو ثائرٍ الأرجحية الأخلاقية وفرصة إعطاء المثال النقيض، ويجعل الجميع كـ”أسنان المشط” في التخلف ونزعة الاستقواء على الضعفاء.

 

“إستضعفوك فوصفوك” يا وليد فياض، فهلَّا وصفوا أيّاً من “أشبال الأسد”؟. والمعتدي مدعٍ مراوغ. يعلم يقيناً أنّ رؤوس الأفاعي في مكانٍ آخر والطريق إليها محفوف بالمخاطر والدماء وقلع العيون. آثر السلامة وتسجيل انتصار على أعزل مُتاح، وبدلاً من أن يكون مقاتلاً صاحب قضية تحوَّل قناص عابرين على خطوط التماس.

 

لكثرة ما “أبدعت” المنظومة في الارتكابات، يخطر في بال كثيرين اعتبارها كلّها ومن يمت إليها بصلة “أهدافاً مشروعة” بحجة أن لا فرق بين مجرمٍ خلف الستارة وممثله المكلّف بدورٍ قذر حتى ولو تمتع بنية طيبة وتسلّح بالقانون وواجب الاحترام. هي إشكالية كانت أساساً مطروحة في عزّ ثورة 17 تشرين، زمنَ طرد المسؤولين من الأماكن العامة وحرمانهم الحياة الطبيعية، وزمنَ الحلم بجرّ المرتكبين رؤساء ووزراء ونواباً ومصرفيين وضباطاً وقضاة فاسدين وصغارهم الى المحاسبة وقفص الاتهام. وإذ نعترف بعجز الشارع وقصر يد الثورة ونلجأ الى صناديق الاقتراع للمبارزة بالأصوات، فإنّ التصدي لوزيرٍ مسكين بات من باب العراضات الهزيلة وتلويثاً لسمعة انتفاضة المواطنية بمفعولٍ رجعي.

 

في المناسبة، أستعير قول أحد الأصدقاء الحاذقين إن الاعتداء على وليد فياض يُذكّر بالإشكالية الأخلاقية المُرّة التي تُطرح في فلسطين كلما استهدفت الفصائل الفلسطينية مدنيين اسرائيليين. مقارنته فجَّة التشبيه ومبالغة في الاستطراد غير أنها مثيرة للاهتمام لتعبيرها عن رأي شريحة من الناس. قد تكون “منظومتنا” هي عملياً قوة احتلال “بلدي” متنوّع الأشكال، لكن إزالة هذا النوع من الاحتلال وأدواته ومفاعيله سبيلُها اليوم صناديق الاقتراع، والأمل معقود على 15 أيار.