الإقتناع بأن آخر الدواء الكي، لا يبيح إشعال النار بالفقراء.
وأن يتعود اللبناني على المرّ، لا يعني إرغامه على تجرّع الأمرّ منه.
والمستغرب، فوق هذه المرارات، أن يطلب فخامة الرئيس من اللبنانيين تناول أدوية مرّة، لتشفى الثروات المتوحشة من أمراض الجمود الإقتصادي!.
أما خديعة إعفاء أهل الفقر من الضرائب، فلن تنطلي على البسطاء. فليس كل ما تعتبره الحكومة من الكماليات، يمكن أن يعتبره أصحاب الدخل المحدود، أو المعدوم، لزوم ما لا يلزم.
فمن قال لكم، أن الذين خبزهم كفاف يومهم، وهم الغالبية وهم المغلوبون، لا يدخنون ولا يسكرون. مع أنهم الأحوج لسيجارة تجلي همهم، ولسكرة تنسيهم يأسهم وبؤسهم؟.
ومن قال لكم، أن تجميد سلسلة الرتب والرواتب، لن يحرم طبقة الموظفين من طبق الغذاء أو العشاء؟.
ومن قال لكم، وأنتم تُقرّون الإنتقائية في رفع الضريبة على القيمة المضافة، أن التجار الشطّار سيميزون بين السلع البورجوازية وبين السلع الشعبية. وبالذات في بلد، إنقلبت فيه الأمثال عن غاياتها، وصار «من يراقب التجار يعيش قبضاً»… والمواطن هو الذي «يموت هماً».
ومن قال لكم، أن الإقتراب من أموال ورثة «قارون» رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه… فأطعتم وجنّبتم سلالة «قارون» ضرائبكم؟.
ومن قال لكم، أن اليد التي تمتد إلى الأملاك البحرية ستقطع. لأنها تقطع الطريق على قوافل السيّاح. وتقطع أيضاً أرزاق أصحاب المطاعم والمسابح والشاليهات. وتقطع كذلك موارد الدولة، بتجفيف ينابيع الدولار والدينار واليورو والريال؟.
ومن قال لكم، أن لمكافحة الفساد طريقاً واحداً يمر من فم «أبو النواس» صاحب حكمة «وداوها بالتي كانت هي الداء»؟.
ومن قال لكم، أنكم باستحضاركم كلمة «الطوارئ»، سترعبون المتهرب من دفع الضرائب، وستردعون المهرب من عبورالمعابر الشرعية وغير الشرعية؟.
ومن قال لكم، أن «حسابات السرايا تغلب حسابات القرايا»؟… كما لو أن مداخيل الدولة لن يقصف عمرها تراجع القدرة الشرائية. وكما لو أن أرقام وزارة المال ستدخل، بلا نقصان، إلى بيت مال اللبنانيين؟.
ومن قال لكم، أن سندات الخزينة ما زالت سنداً يعينكم في الملمات؟.
ومن قال لكم، أن المصرف المركزي كرم على درب الحكومة، وأن بمقدوره تقديم الدعم على مدى الدهر، دون أن تسقط دعائمه؟.
في المقابل،
من قال لكم، ويل للبنان إذا صَدقت «فيتش»، ولم تُصدّقنا «موديز» وقرينتها «ستاندر أند بورز»؟.
ما زال بإمكاننا تكذيب تصنيفات المؤسسات الإئتمانية الأميركية الثلاث. وما زال بإمكاننا التعامل مع توقعاتها، كما لو أننا نتعامل مع توقعات ليلى عبد اللطيف.
صحيح أن كثرة الأيدي المختلفة تحرق الطبخة. لكن الأصح أن القليل من الأيدي المتعاونة والمتضامنة يطفئ الحريق.
ولما كان الإعتراف سيد الأدلة، فلا بد من الإقرار بأن الرغبة بلا قدرة، هي أشبه بجعجعة بلا طحين. فما سمعناه في لقاء قمة بعبدا الإقتصادية، يندرج في إطار الرغبات…وبينها رغبات عدة تقع تحت طائلة التحريم الشعبي.
أما إذا بقي أمل في معجزة ما، فمكانه الشرعي والوحيد مجلس الوزراء، حيث يترأسه رجل تخلّى عن مذهبيته وشعبيته لإنقاذ شعبه.
سار عكس رياح المذهب، فعقد تسوية حلّ عقدة الفراغ. وغامر بولاء أنصاره، مختاراً الطريق الوسط، حتى لو خرج البعض من «بيت الوسط».
يا وزراء الأحزاب والكتل الكبرى، إجلسوا إلى طاولة القرارات الإنقاذية. وكونوا أنتم، ومن تمثلون، مثله متبرئين من نقيصتي المذهبية والشعبوية.
كونوا يداً واحدة. وستجدون، خلافاً لما يقال، أن اليد الواحدة تصفق… ويُصفق لها.
حاولوا أن تكون السرايا دار المعجزة، لا دار العجزة.
حاولوا… فالأخطار كبيرة جداً. وقد بلغت مرحلة الكبائر… فاحذروا التمسك بالصغائر.
حاولوا… فالانقاذ يحتاج إلى أكثر من محاولة.