عند كل استحقاق أساسي يقدّم وليد جنبلاط نفسه على أنّه المعبر الذي تخرج عبره الحلول لأزمة الحكم الواضحة. في فترة ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التصق مصطلح «بيضة القبان» بجنبلاط، فكان دائمًا يلعب وكتلته النيابية دور الحاسم والمرجّح، أكان لجهة انتخاب رئيسٍ للبلاد، أم لجهة تكليف رئيسٍ لتشكيل الحكومة.
اليوم، وبعد انفراط عقد التغييريين وتوجّه بعضهم لصفوف فريق الرابع عشر من آذار، بات مشهد المجلس النيابي شبيهًا بمحطات سابقة، عجز كل فريق من فريقي الصراع في لبنان من ترجيح كفة مرشحه على الآخرين، ليقف الجميع أمام حقيقة واحدة، وهي ضرورة التوافق. توافق قد لا يكون شاملًا كاملًا، كما حصل إبّان انتخاب الرئيس ميشال سليمان، بل قد يحصل بشكل جزئي ضمن أطر العملية الديمقراطية المشروعة، أي اتفاق بين عدد من الكتل، يضمن تأمين النصاب وإيصال الرئيس المتفق عليه. هنا، يعود وليد جنبلاط إلى الصورة، فإمّا يكون جزءًا أساسيًا من اتفاق محدود لا يحصل سوى بمشاركته، أو يتفق الجميع دون الرجوع إليه، كما حصل عام 2016، والخيار الثاني لن يحصل في المدى المنظور.
دون أن يقرّ، يتمسّك جنبلاط دائمًا بحصرية التمثيل الدرزي، والذي يرتّب على التسوويين ضرورة المرور بكليمنصو لنيل رضا إجراء الإستحقاقات، كون الميثاقية الظاهرية، والتي لا يجوز تجاوزها، تعني أنّ مختلف الطوائف تشترك بالقرار، ولو كان الدستور لا يقولها صراحةً. هذا الأمر كُسر نوعًا ما في عهد الرئيس عون، نتيجة وجود تمثيل درزي خارج إطار الحزب «التقدمي الإشتراكي»، ولكن انتخابات 2022 أعادت الأحادية إلى الساحة.
في المؤتمر الذي دعت إليه السفارة السعودية في ذكرى الطائف، حضر وليد جنبلاط على المسرح. بعد تفنيده لأسباب عدم تنفيذ بنود الطائف حتى اليوم، قدّم نفسه كمتعهّد اعادة تطبيق الاتفاق من جديد. وكي تنجح هذه الخطوة اشترط إنشاء مجلس للشيوخ، دون أن يجاهر، مرة جديدة، برئاسة درزي له. دون أن يقولها قالها: بقاء النظام يمرّ عبر دار المختارة.
ولأنّ هذه السياسة باتت هي المتبعة، وباتت قاعدة ثابتة في الحياة السياسية اللبنانية، يندرج الإستحقاق الرئاسي اليوم ضمن اطار تقديم جنبلاط نفسه كصاحب حصرية العلامة التجارية لـ «الحلول». بالطبع الأمر ليس بهذه البساطة، فوجود «تكتل لبنان القوي»، والذي تشكّل اليوم مانعًا أمام فريق الثامن من آذار من أجل إيصال مرشحه الوحيد للرئاسة، يؤخّر عملية تسويق جنبلاط للحل عن طريقه. ينتظر الرجل بوضوح انقشاع المشهد من الرابية، قبل أن يبدأ بطرح التسوية التي يريد.
من هنا، يبدو أنّ تبنّي «اللقاء الديمقراطي» ترشيح النائب ميشال معوض لا يوضع سوى في خانة تمرير الوقت. يعلم جنبلاط جيدًا أنّ هذا الإسم لن يكون رئيسًا، فلماذا يضع نفسه بمواجهة حلفاء الأمس في الرابع عشر من آذار، لا سيما أنّ حليفه الأقرب، الرئيس نبيه بري، لا يزال يمارس لعبة تمرير الوقت بالورقة البيضاء الفارغة، لحين الاتفاق على مخرج للإستحقاق.
تشير أجواء الثامن من آذار، أنّ الرئيس نبيه بري رمى الكرة في ملعب «حزب الله» لجهة محاولة اقناع الوزير جبران باسيل بانتخاب فرنجية، فيما سيتولّى هو إقناع وليد جنبلاط بالأمر نفسه، مع التأكيد على أنّ مهمّة الحزب تتخطّى الصعوبة بأشواط، فيما بإمكان بري إنجاز مهمته بساعات! كل هذا لا يستبعد طبعًا الجهد الدولي والإقليمي لفرض أحد مرشحي الدول الكبرى.
ماذا يريد وليد جنبلاط؟ ربما لن يكون جنبلاط مستفيدًا مباشرًا من إنجاحه الإستحقاق الرئاسي، ولكن الأكيد أنّ اختياره الوقت المناسب للعدول عن تبنّي ترشيح معوض والسير بشخصية أخرى بالتنسيق مع بري، يعني أنّه كرّس من جديد نفسه معبرًا أساسيًا لحلول قد لا تولد في دارته، ولكنها بالطبع لا تنضج قبل نيل مباركتها.