دخل لبنان في لعبة الأمم التي لطالما حذّر منها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، ولا سيّما أن تغريدته الأخيرة التي غمز خلالها من قناة الولايات المتحدة الأميركية، بنتيجة اطلاعه على الدخول الأميركي على خطّ الإستحقاق الرئاسي والملف اللبناني، بحيث أن لواشنطن دوراً أساسياً في هذه اللعبة الدولية ممّا يبقي لبنان أسير تصفية الحسابات الدولية والإقليمية. وعليه، فإن الحل الداخلي دونه صعوبات وعقبات، كون الإدارة الأميركية وحدها تدير أزمات المنطقة، ولذلك، وفق المعلومات التي تُنقل عن جنبلاط، فإنه مسكون بهواجس ما يجري في الإقليم وحيث الوضع المحلي محاطٌ بالتعقيدات.
ولذا، وعلى هذه الخلفية، فإن التعويل على “مؤتمر باريس”، لن يفي بالغرض المطلوب، وبالتالي، يردد جنبلاط دائماً تقديره لاهتمام باريس “بأوضاعنا اللبنانية”، وبأنها قد تكون “الوحيدة المهتمة بشؤوننا وشجوننا، إلاّ أن البعض في لبنان يذهبون بعيداً في مواقفهم ما يؤخّر انتخاب الرئيس ويعطّل الإستحقاق”.
من هنا، فإن المقرّبين من الدائرة الجنبلاطية، يرون أن الشغور الرئاسي سيطول أمده لأشهر طويلة في حال لم تجتمع الأطراف في الداخل إلى طاولة حوار تلبيةً لدعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، للتوافق على مرشّح إجماع وهذا هو الحلّ، ومن ثم القيام بعملية إصلاحية في قطاع الكهرباء وتشكيل الهيئة الناظمة، وصولاً إلى إنشاء صندوق سيادي لإدارة قطاع النفط، وعندها يكون هناك انتظام لعمل المؤسسات، ما يؤدي إلى استقرارٍ سياسي واقتصادي من خلال دعم دولي وعربي، وإلاّ فإن رئيس الحزب التقدمي، لا يستبعد تفلّت الشارع والفوضى، إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه، وهذا ما قاله لكل من التقاهم في الآونة الأخيرة، محذراً من مغبة ما يجري اليوم من أزمات غير مسبوقة في تاريخ البلد.
وعلى خطٍ موازٍ يُنقل بأن جنبلاط، وخلافاً لما يتمّ التداول به، لم يخرج من موقعٍ إلى آخر، بمعنى أنه تخلّى عن انتخاب النائب ميشال معوض، ولهذه الغاية جاء كلام الأخير رداً على حركة زعيم المختارة، إن من خلال لقائه بـ “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، أو بفعل مواقفه وحراكه الذي أخرج الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، بفعل كل ما رافق جلسات انتخاب الرئيس من مهازل لم يعد من الجائز الإستمرار بها.
ومن ضمن هذا السياق، يؤكد المقربون من المختارة، أن جنبلاط قد أراد عبر جولاته السياسية واستقبالاته، أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم ويفتح باب الحوار الجدي للتوافق على مرشّح إجماع وبالتشاور مع النائب معوض، وهذه الحركة لا تعني انقلاباً أو تخلياً عنه، إنما لا يمكن الإستمرار بالشغور الرئاسي، وتلطّي كل فريق خلف مواقفه وأجندته، فيما البلد يسير بسرعة إلى الهاوية.
وبانتظار نتائج الحراك الجنبلاطي والخطوة المرتقبة للرئيس نبيه بري، يبقى القلق قائماً من تنامي هذا التدهور الإقتصادي والمالي، ومن دخول بعض الطوابير على خطّ هذا الإنحدار والفوضى السائدتين على الساحة المحلية في ظل أجواء أمنية غير سوية تحذر منها بعض الجهات، وبالتالي، يخشى جنبلاط من لعبة الأمم وأخذ البلد إلى الصراع الإقليمي والدولي، وهذا ستتبلور معالمه خلال الأيام القليلة المقبلة في ضوء ما ستفضي إليه مشهدية باريس، وما يجري في الداخل من صراع سياسي وخطابات ومواقف تنذر بعواقب وخيمة .