IMLebanon

“الاشتراكي” في الوسط… بين “جنّة” تسوية مفقودة و«نار» استعصاء طويل

 

لا رئاسة في المدى المنظور. أقلّه هكذا يظهر الرسم البياني لمواقف القوى السياسية المحلية، والدول المعنية، بانتظار تطوّر نوعي من شأنه أن يغيّر مسار الاستحقاق ويقصّر عمر الشغور في قصر بعبدا.

تتعامل الأطراف السياسية مع معادلة الاستعصاء الرئاسي، على أنّها ثابتة، غير قابلة للتغيير الجذري طالما أنّ الحراك الخارجي لا يُنتج اتفاقاً أو تسوية أو تقاطعاً قد يساهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وطالما أنّ الاصطفاف الداخلي يحول دون تشكيل أغلبية نيابية قد «تطبش» الكفة لصالح أحد المرشحين، فيما امكانية نشوء ثلث معطّل لا تزال واردة ومن شأنها أن تمنع الانتقال إلى دورة انتخابية ثانية.

وحدها المفاوضات الجارية على قدم وساق بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و»حزب الله» هي العامل المستجدّ على المسار الرئاسي، وسط رغبة من «الحزب» بتأمين أصوات «تكتل لبنان القوي»، لكي يفرض ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، كأمر واقع مدعوم بأغلبية نيابية تتيح له أن يكون الترشيح الأكثر جدية، ويعود إلى طاولة المفاوضات الداخلية والخارجية من موقع أقوى.

أما باسيل فيختبئ خلف مطالبه التي يحصرها إعلامياً باللامركزية المالية الموسعة، والصندوق الإئتماني وبناء الدولة، فيما يوسّع أطرها في الجلسات المغلقة لتشمل حصصه في العهد الجديد، لكي يزيد من هامش حركته المتعددة الأضلاع، على أمل استثمارها وقت الحصاد الرئاسي.

يكاد يجزم كل من يعرف الرجل أنّ الهدف المرسوم في ذهنه، للمدى القريب هو تطيير ترشيح قائد الجيش جوزاف عون، ومن بعدها، تصير لحساباته نكهة أخرى، خصوصاً وأنّ مصير ترشيح فرنجية رهن موقفه. يصرّ هؤلاء على أنّ المرشح الأساس لباسيل هو باسيل نفسه، واذا لم يفلح في ادراج هذا الترشيح على اللائحة الرسمية، فهو بلا شكّ يفضل مرشحاً ثالثاً، زياد بارود أو ناجي البستاني… لكنه لن يقبل بفرنجية إلّا مكرهاً تحت سيف معادلة «إما فرنجية وإما جوزاف عون». وهذه المفاضلة بين أفضل الشرور، هي التي يستخدمها «الحزب» ليستقطب رئيس «التيار الوطني الحر» من جديد.

ولكن حتى الآن، يستثمر باسيل كما «الحزب» في لعبة الوقت لتمريره، كلّ لأسبابه. وما شعار اللامركزية المالية الموسعة الذي يرفعه رئيس «التيار الوطني الحر» إلا من باب كسب مزيد من الوقت. يؤكد عارفوه أنّه لن يجرؤ على القبول بمشروع زياد بارود للامركزية الإدارية الموسعة، والقابع في اللجان النيابية منذ سنوات، لتقديمه كإنجاز للمسيحيين، كما وعدهم، وهو مضطر لفرض نسخة أكثر توسيعاً في الصلاحيات المالية، كونه لم يكتف بمطالبته باللامركزية الإدارية الموسعة، بل نادى باللامركزية المالية الموسعة، وبين المشروعين مساحة شاسعة من التمايزات والخصائص.

ولهذا، يشير المواكبون إلى أنّ مشوار التفاوض بين الفريقين لا يزال طويلاً ويعتريه الكثير من المطبات والعراقيل التي يمكن التحجج بها لكي يبررا عدم تفاهمهما على المرشح، في وقت قريب. وهو سيناريو مناسب للفريقين.

ومع ذلك، لم يتردد الحزب التقدمي الاشتراكي في التأكيد جهاراً، على مشاركته في أي جلسة انتخابية رئاسية، بمعنى عدم اللجوء إلى المقاطعة في حال عُقد الاتفاق بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» على دعم فرنجية. هذا ما قاله علانية أمين سرّ الحزب ظافر ناصر خلال إطلالاته الإعلامية الأخيرة. وهو موقف بدا في الوقت الرئاسي المستقطع، وكأنه تمريرة للحزب تطمئنه الى أنّ النصاب القانوني سيكون مؤمناً فيما لو نجح في اقناع باسيل بترشيح رئيس «المرده».

ولكن التدقيق في سلوك ومسار الرئيس السابق للحزب، وليد جنبلاط خلال المرحلة الأخيرة، وهو لا يزال مرشد الحزب وزعيمه وقائده، يبيّن أنّ الاشتراكيين لم يحسموا خيارهم ولو أنّهم شكلوا واحداً من أضلع التقاطع حول اسم جهاد أزعور. ولا تزال الخيارات أمامهم مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وما تأكيدهم على عدم المقاطعة إلا من باب الجلوس على خطّ الوسط، بانتظار نضوج التسوية الاقليمية، أو أي اتفاق داخلي من شأنه أن يخطف الرئاسة.

ساذج من يعتقد أنّه في حال تمكن «حزب الله» من خطف الرئاسة لمصلحة فرنجية، وسط لامبالاة خارجية، أميركية – سعودية، سيكون «اللقاء الديموقراطي» خارج هذه الطبخة. وليد جنبلاط ليس من قماشة القوى السياسية التي تعشق التغريد خارج جنّة السلطة والاكتفاء بمقاعد المعارضة. لم يفعلها ولن يفعلها راهناً. لكن الاشتراكيين متيقنون أنّ هذا السيناريو لا يزال غير قابل «للتقريش» والترجمة، ودونه الكثير من العقبات والعراقيل. هم متأكدون أنّ ظروف الرئاسة لم تنضج لا محلياً ولا إقليمياً، ولذا لا مانع من تسجيل موقف «مبدئي» حول التمسك بخيار المشاركة في الجلسات الانتخابية.

هذا مع العلم أنّ بعض قوى المعارضة تكشف أنّ الاشتراكيين لم يتوقفوا يوماً عن توجيه الرسائل التطمينية إلى قوى المعارضة للتأكيد على وقوفهم إلى جانب هذا الاصطفاف. ولكن يبدو أنّ الجنبلاطيين لن يستخدموا «بطاقة المقاطعة»، الا في حال فرضت التطورات الاقليمية خطوطاً حمراء جديدة تحول دون تمكن «حزب الله» من تأمين الرئاسة الأولى لمصلحة حليفه. أمّا غير ذلك، فلا ضير من ترك الهامش واسعاً أمام احتمال أن يكون فرنجية يوماً، الأقرب إلى قصر بعبدا.