“تباين سياسي كبير في قراءة المرحلة على خط جنبلاط والأقطاب المسيحيين
بالتزامن مع اي استحقاق هام وخصوصاً رئاسة الجمهورية، لا تغيب أنظار الثنائي الشيعي عن المختارة، علّها تستدير نحو المرشح الى الرئاسة رئيس “تيار المردة ” سليمان فرنجية، فيختار حينئذ النائب السابق وليد جنبلاط وضعية رئاسية مغايرة، من خلال التصويت لفرنجية في نهاية المطاف، خصوصاً انه “لا يقطع خيطاً” كما يقول المثل الشائع، إلا بموافقة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الصديق والحليف الدائم، وهذا ما يشجّع لانّ الطرفين يتوافقان دائماً، وفي حال ظهر اي تباين سياسي بينهما سرعان ما يزول، وهذا هي النقطة الاهم التي يراهن عليها الثنائي، خصوصاً بري الذي يجد جنبلاط دائماً الى جانبه، لذا يتمسك الحزب التقدمي الإشتراكي”، اليوم بخيار الحوار، وهو كان قد باشر بالإنفتاح والتحاور مع الحلفاء كما الخصوم السياسيين، منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وما زال ينادي بالحوار لغاية اليوم ،لا بل يعمل ضمن وساطات مع المعارضة للمشاركة فيه.
وتقول المعلومات أنّ النائب وائل ابو فاعور يعمل على خط معراب، بهدف إقناع قيادة “القوات اللبنانية” للمشاركة في طاولة الحوار، وتبدو وساطته شاقة لانّ “القوات” سبق ان اعلنت مراراً انها لن تشارك في الحوار المذكور، لكن ابو فاعور يستعين بتطمينات بأنهم ككتلة نيابية سيصوّتون، في حال دعا بري الى جلسة انتخابية رئاسية للوزير السابق جهاد أزعور اي لمرشح المعارضة، وفي حال تم التوافق على إسم رئاسي مقبول غير إستفزازي، وبعيد عن الاصطفافات السياسية، عندها سيسيرون بالتسوية.
ولطالما كان جنبلاط بيضة القبان في كل إستحقاق، تقول مصادر سياسية، اذ كان يقلب الاوضاع رأساً على عقب، وبطريقة فجائية يجعل كل الافرقاء السياسيين يتقرّبون منه لغايات سياسية ومصالح خاصة، لكن كان دائماً ” يقطفها” فيخرج منتصراً من اي ملف او قضية عالقة، وفي آخر الدقائق الحاسمة، لانه من اكثر السياسيين قدرةً على قراءة المرحلة، فهو ينسى فجأة الخصومة السياسية مع أي فريق، حتى لو حمل العداء له، فيعود أدراجه لينتفض على ذلك العداء الذي لا يدوم طويلاً، لانه يرفض العودة الى زمن التقوقع والشعارات الضيقة، كما يردّد دائماً بعد أي عملية إنفتاح فجائية على الخصم، لذا يعمل على تأسيس مرحلة جديدة مع الآخر، بحسب المصالح السياسية وبحسب ما يتطلّب التوقيت.
من هذا المنطلق، أعاد جنبلاط علاقته بحزب الله نسبياً، فلا خصومة اليوم ولا هجوم او ردود، بل هدوء لافت على كل الجبهات، مع إعلانه الدائم عن ضرورة الاستغناء عن اي مرشح إستفزازي، لانّ التوافق مطلوب على الساحة الرئاسية، وإلا فوصول الرئيس الى بعبدا ما زال بعيداً، لذا لم تعد الاسماء المتداول بها فاعلة على الخط الرئاسي، برأي المصادر، خصوصاً بعدما وصلته همسات خارجية عن الاسم الرئاسي التوافقي المرتقب، لتصبح العناوين الوسطية والاعتدال مرافقة لجنبلاط تحت عنوان “التوافق يعطي أملاً بانتخاب رئيس”، وهو بذلك قطع الطريق على المرشحين المحسوبين على أطراف سياسية معينة، ليصبح جنبلاط ذلك السياسي المتفهّم لوضعية لبنان الحساسة والدقيقة، فيما غيره ما زال على خط الخلافات والتناحرات التي ستبقى تراوح مكانها.
في غضون ذلك، علّق مصدر سياسي عايش التقلبات الجنبلاطية على مدى سنوات، على السياسة المتبعة حالياً من قبل المختارة بالقول: “لا شك في انّ جنبلاط يعرف من أين تأتي طرق الاستفادة في السياسة، وكيف يحجز له مكاناً واسعاً في رحابها، فهو يستعين دائماً بالمشاورات ويرسل نوابه للقيام بالوساطات، لإعطاء هامش كبير بالسياسة للمختارة، كي تبقى من ضمن المشاركين في صناعة القرار، على عكس الاقطاب المسيحيين التواقين فقط لكسب المصالح الخاصة، والتقاتل الدائم من اجل الحصول على زعامة الشارع المسيحي، وبالتالي الكرسي التي تبقى سبب خلافاتهم التي لا ولن تنتهي، وهذا ما جعلهم يصلون الى ما هم فيه اليوم، معتبراً انّ التباين كبير وظاهر بينهم، وهم لا يعرفون قراءة المرحلة كما يجب، وهذا هو الخطأ الاكبر، فيما جنبلاط تصله الرسائل و”الوشوشات” تباعاً، فيتلقفها ويسير وفق دروبه، كي يصل الى حيث يشاء وهو ينجح في اكثرية معاركه السياسية”.