على الرغم من أنّ «الزعيم» الدرزي وليد جنبلاط معروف بمواقفه السياسية المتقلّبة أو «البراغماتية»، إلّا أنّ مواقفه الأخيرة في ما يتعلّق بالملف الرئاسي تطرح علامات استفهام عدّة، نظراً إلى أنّها استهدفت السعودية وحزب «القوات اللبنانية». هذا مع العلم أنّ السعودية أعربت عن موقفها من انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وهناك لقاءات دائمة بين عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور والمستشار السعودي نزار العلولا، آخرها في باريس، و»القوات» تنتهج مساراً مرناً رئاسياً عبر تجاوبها مع كلّ المبادرات والوساطات التي طُرحت، وأوّلها التي طرحها جنبلاط نفسه.
اعتبر جنبلاط أخيراً، أنّ «الشروط المستحيلة لـ»القوات» و»التيار الوطني الحرّ» عطّلت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وأجهضت فرصة الحوار». وفي حديث صحافي آخر، قال جنبلاط: «لتشرح لنا السعودية ماذا تريد…». وكان جنبلاط اعتبر، خلال استقباله البطريرك الماروني في المختارة خلال الشهر الجاري: «ليس هناك أغبى أو أسخف، لكن أخطر ممّن ينادون بالفراغ، ولا يسهّلون موضوع الانتخابات الرئاسية»، واعتُبر موقفه هذا موجّهاً إلى رئيس «القوات» سمير جعجع. مواقف جنبلاط دفعت «القوات» إلى الردّ عليه، لكن من دون مهاجمته، بل اكتفت بسرد الوقائع الرئاسية مشيرةً إلى مكمن التعطيل الفعلي. لكن مواقف الرئيس السابق لـ»الحزب التقدمي الاشتراكي» لم «تقدّم أو تؤخّر» في العلاقة مع «القوات»، ولا يزال «الاشتراكي» يؤكّد ثباته على التقاطع على اسم أزعور حتى اللحظة. في قراءة لمواقف جنبلاط، تعتبر جهات مطّلعة على موقف الرياض أنّ سؤاله: «ماذا تريد السعودية؟» في غير مكانه، فهو يعلم أنّ السعودية تريد انتخابات رئاسية «لا غالب ولا مغلوب» فيها، يستعيد لبنان معها الانتظام على قاعدة «اتفاق الطائف». هذا فضلاً عن أنّ جنبلاط يدرك تماماً أنّ السعودية تريد انتخابات حقيقية وفعلية في لبنان ولا تريد انتصار فريق على حساب آخر، وتريد رئيساً من خارج الاصطفافات لكي يمتلك القدرة على لمّ الشمل والدخول في مرحلة توافقية بعيداً من المرحلة الانقسامية القائمة ما يمكّن لبنان من الخروج من الانهيار.
لذلك، يُفترض بجنبلاط، بحسب المصادر نفسها، أن يسأل إيران ماذا تريد من خلال تعطيلها الانتخابات الرئاسية في لبنان. فلو كانت إيران من خلال «حزب الله» قادرة على انتخاب رئيس في لبنان، لما أحجمت عن ذلك. وانطلاقاً من عدم قدرتها هذه، يُفترض أن تذهب إلى تسوية تنتج رئيساً، إلّا أنّها تبقي على الشغور الرئاسي، ما يعني أنها تريد شيئاً ما مقابل الرئاسة لكي تفكّ التعطيل. لا تفسير لمواقف جنبلاط، بحسب مصادر سياسية عدة، سوى أنّ الرجل خائف من شيء ما وأنّ المسألة أبعد من الرئاسة وأنّ إيران و»الحزب» يريدان شيئاً في لبنان، انطلاقاً من الإصرار غير المفهوم وغير المبرّر على ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية وعلى الحوار، في ظلّ غياب المعطيات لتأمين المسألتين. وبالتالي، يبعث جنبلاط، من خلال مواقفه، رسالة إلى «الحزب»، مفادها أنّ أي ردة فعل ستقوم بها «اعملوها بعيد عنّي».
ولا تبرير لمواقف جنبلاط، بحسب المصادر إيّاها، لأنّ كلامه عن السعودية أو «القوات» خارج عن الواقع. وانطلاقاً من ذلك يبدو أنّ الرجل خائف من شيء ما ويقول: «أبعدوا عني هذه الكأس». فقد يكون خائفاً من ردة فعل في لبنان على ما يحصل في السويداء – سوريا، أو من تداعيات الفراغ الرئاسي وانعكاساته، أو من عمل ما لـ»الحزب» نظراً إلى الوضعية المقفلة أمامه في الداخل. فهناك خشية ما تدفع جنبلاط للقول لـ»حزب الله» إنّه يتّخذ مواقف تخدمه.
كذلك، يقرأ البعض في مواقف جنبلاط تراجعاً وانسحاباً، بمساواته بين من يعطّل الانتخابات الرئاسية ومن يسهّلها، وكأنّه يخرج نفسه من الحياة السياسية بـ»اللاموقف». وهو يتوجّه بذلك إلى المعارضة من جهة و»الثنائي الشيعي» من جهة ثانية، عبر تقاطعه مع المعارضة على اسم مرشح رئاسي وتعبيره بالموقف السياسي مع الفريق الآخر لكي يخلق توازناً. وبالتالي يُعطي إشارات إلى أنّ الترجيح رئاسياً «ليس عندي» لا في هذا الاتجاه ولا ذاك، فلا يضعني أحد في هذه المعادلة لأنّني خارجها.
في المقابل، تشير مصادر «الاشتراكي» إلى أنّ جنبلاط سبق أن قال بوضوح لـ»الثنائي» إنّ الاستمرار في التمسُّك بمرشح واحد لا يفيد، مثلما قال لـ»القوات» و»التيار» إنّ رفض الحوار غير مفيد. وبالتالي إنّ موقفه من الطرفين متوازن. وتعتبر أن «لا طريقة لإقناع الآخر بالذهاب إلى مرشح ثالث والتراجع عن مرشحه، غير الحوار، فكيف سيخرج هذا الفريق من خياره إذا كنّا نرفض الحديث معه؟». أمّا بالنسبة إلى سؤال السعودية عن موقفها، فتقول المصادر نفسها: «لو كنا نعلم ماذا تريد السعودية لما سألها جنبلاط بك»، وتذكّر بأنّ جنبلاط سبق أن سأل الأميركيين والإيرانيين أيضاً ماذا يريدون؟ ويعتبر «الإشتراكي» أنّ المطلوب من المحاور الإقليمية أن تسهّل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لـ»أنّنا نعلم حقائق الأمور والتجاذبات الخارجية المؤثرة». لكن ألا يعني هذا أن لا لزوم لحوار، طالما أنّ «التسهيل» بأيدي الخارج؟
تجيب مصادر «الإشتراكي»: «نحن منذ الأساس قلنا إنّ الحوار الداخلي يسهّل وليس الحلّ. لكن فكرة رفض الحوار في بلد مثل لبنان أمر غير سهل، ويجب أن يذهب كلّ فريق إلى الحوار ويطرح مقاربته ورأيه بوضوح وصراحة، وأحد لن يجبر الآخر بخيار لا يريده».