Site icon IMLebanon

سيناريو الحرب الذي يخشاه جنبلاط

 

بعد لقائه الأخير مع وفد «حزب الله»، سُمعت أصوات تقول: جنبلاط انقلب من جديد. لقد نقل البندقية مرة أخرى. ولكن، في الواقع، ما يقوم به جنبلاط حالياً أبعد من الحسابات السياسية الداخلية.

المعلومات تفيد بأنّ جنبلاط أخذ على عاتقه مهمة وقائية في ظرف بالغ الدقة، وهي محاولة فتح خطوط اتصال مع «حزب الله» وترميم العلاقة به وإقناعه بالمساعدة على تجنّب المغامرة الإسرائيلية التي قد تكون على الأبواب. وهو يقوم بشرح وجهة نظره في لقاءاته الأخيرة مع الكوادر الحزبية والقواعد الشعبية في الجبل.

 

ويتردد أنّ الأقنية الديبلوماسية الغربية، والفرنسية خصوصاً، أبلغت القيادات السياسية اللبنانية تحذيرات من مغبة تجاهل التهديدات الإسرائيلية المستمرة للبنان، بوتيرة منتظمة، فهي جدية جداً. ونبّهت إلى أن أي خطوة غير محسوبة من الجانب اللبناني ستتكفل بتحويل لبنان نموذجاً آخر من غزة، أي أن الرد الإسرائيلي عليها سيكون قاسياً ومدمراً.

 

وفي الوسط الديبلوماسي، هناك اعتقاد بأنّ إسرائيل قد ترتكب هذا العمل الكارثي من دون الحاجة إلى ذرائع كبيرة. فيكفي مثلاً أن يسقط صاروخ في إحدى المستوطنات ويؤدي إلى وقوع قتلى. وهذا أمر يمكن أن يحصل، خصوصاً إذا كان الجنوب قد عاد مسرحاً لتنظيمات أخرى أيضاً، لا يمكن ضبطها، ما يؤدي إلى تعدد المسؤوليات وضياعها.

 

بل إن بعض الأطراف الغربية الصديقة للبنان، كفرنسا، نصحت بإقناع «حزب الله» بالمساعدة على تطبيق القرار 1701 من تلقاء نفسه، والانسحاب إلى شمال خط الليطاني، وإبقاء المنطقة في يد الجيش اللبناني و«اليونيفيل».

وثمة تفكير يُنسب إلى الفرنسيين في تشكيل لواء من الجيش يأخذ على عاتقه الإمساك بوضع الجنوب، بالتنسيق مع «اليونيفيل». فهذا الأمر ينزع نهائياً أي ذريعة إسرائيلية.

 

قوى الضغط الإسرائيلية التي تطالب بضرب لبنان الآن تستند إلى المنطق الآتي: لقد ارتكبت الحكومات المتتالية في تل أبيب خطأ جسيماً عندما تركت «حماس» تنمو وتزداد سلاحاً ومالاً في غزة، على مدى سنوات عديدة، حتى باتت مارداً يهدد إسرائيل وسكانها في أي لحظة. وقد استنتج نتنياهو بعد عملية 7 تشرين الأول الفائت أن الأوان قد آن لمعالجة هذا الخلل. ولذلك، هو لا يريد وقف النار قبل تحقيق الأهداف، بما فيها إنهاء «حماس».

 

وبناء على تجربة غزة، يطالب البعض من داخل الماكينة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بضرورة إنهاء الخلل على الحدود الشمالية أيضاً، أي مع لبنان، حيث «حزب الله» يزداد قوة، وهو قادر على توجيه الضربة إلى إسرائيل ومصالحها والمستوطنين أيضاً. ويرى هؤلاء أن على الحكومة الإسرائيلية استغلال الدعم الغربي الواسع، وشبه الصمت الشرقي والعربي والإسلامي، لتنفيذ ضربة في لبنان، ما يمنع «الحزب» من تكرار سيناريو غزة في الجنوب اللبناني.

 

حتى الآن، لا شيء يوحي أن الإسرائيليين قد تبنّوا خيار الضربة في لبنان، لكن ما يجري تسريبه في وسائل إعلامهم، وما يستنتجه بعض المحللين، يوحي أن قراراً من هذا النوع قد يُتخذ في أي لحظة، خصوصاً إذا تذرّع الإسرائيليون بتجاوز «الحزب» للقرار 1701 ودخوله المنطقة المحاذية للخط الأزرق وقيامه بإطلاق النار على المستوطنات.

 

الخشية هي أن تقوم إسرائيل بضرب لبنان في شكل واسع وعنيف، حتى ولو لم يقدِّم «حزب الله» مبرراً لها، أي حتى ولو التزم جانب التهدئة خلال حرب غزة.

وفي تقدير بعض الأوساط الديبلوماسية أن هذا الاحتمال الكارثي بالنسبة إلى لبنان وارد. ولذلك، نصيحة الغربيين للبنان هي إقناع «الحزب» بالتزام القرار 1701. وعلى الأقل، إذا فعل ذلك اليوم، فهو ينفذ خطوته «على البارد» تقريباً، ومن تلقاء نفسه، ومن دون أن يخسر شيئاً. كما أن لبنان في هذه الحال يتجنب تدميراً بالحجم الذي يحتاج بعده إلى سنوات وسنوات ليتمكن من النهوض.

 

وفي الأيام الأخيرة، وضع جنبلاط كوادر الحزب في أجواء أي سيناريو مفاجئ قد يشهده لبنان، ودعاهم إلى التصرف بمنتهى الحكمة إذا حصلت المغامرة الإسرائيلية، وتعرَّض الجنوب والضاحية لضربات أدت إلى تدمير وتهجير واسعَين. وطالبهم بأن يكونوا على أهبة الاستعداد لإيواء الأهالي الوافدين إلى قرى الجبل، وأن يتم احتضانهم والتعاطي معهم بمنتهى الود والتعاطف ودعمهم بكل الأشكال.

 

ويروي العارفون أن قرى الجبل تشهد مصالحات وترتيب علاقات شاملة سواء على المستوى الدرزي الداخلي، أو على المستوى الحزبي، كالعلاقة بين الحزبين الاشتراكي والقومي، لأن المرحلة تقتضي ذلك.

 

وعندما سُئل جنبلاط: هل سيكون ممكناً أن يتجاوز الجميع ترسبات أحداث أيار 2008 مع البيئة الشيعية؟ أجاب: بالتأكيد. يجب نسيان هذه الصفحة تماماً.

 

ولكن، الأهم بالنسبة إلى جنبلاط هو أن تنجح المساعي ويتم نقل صورة الموقف الغربي، والفرنسي خصوصاً، إلى «حزب الله»، فيقتنع بأن تنفيذ القرار 1701 هو الأنسب لانتزاع الذرائع من يد إسرائيل وإحباط أي خطة لتضرب «الحزب» كما هي تضرب «حماس»، ولتدمِّر لبنان كما هي تدمّر غزة.