من الملاحظ في الفترة الأخيرة ان الرئيس السابق للحزب “التقدمي الإشتراكي” هادئ جدا، لدرجة يمكن القول انه “صفّر” مشاكله مع كل القوى السياسية، بمن فيهم تلك التي خاض معها مواجهات سياسية كبرى، لكن من دون ان يعني ذلك انه تموضع في موقع جديد، او انه صار مختلفا مع حلفائه السابقين، فواقع الأمور ان حرب غزة فرضت ترتيبا جديدا في علاقة جنبلاط بمجمل القوى السياسية، فأعاد وصل علاقته مع حزب الله بعدما أصدر مواقف تضامنية مع غزة، وكان جنبلاط أول المعزين بشهداء الحزب بعد غارة بيت ياحون، التي استشهد فيها خمسة مقاومين منهم نجل النائب محمد رعد، كما التقى جنبلاط لاحقا وفدا من حزب الله بحث معه التطورات في المنطقة ووضع الجبهة الجنوبية.
وفق مصادر مقربة من المختارة، فان الوقت الراهن ليس للحسابات الداخلية بل من اجل تجنيب لبنان الحرب، من هذا المنطلق قفز جنبلاط فوق الاعتبارات السياسية متجاوزا الاختلاف السياسي مع الحزب، ودعا لتعزيز الروابط بين اللبنانيين مهما كانت التباينات والانتماءات. وليس سرا ان جنبلاط يولي أهمية قصوى للعلاقة مع حزب الله، ويدعو للانفتاح والتواصل داعيا أبناء الجبل في لقاءاته الى فتح الأبواب لاستقبال النازحين اللبنانيين من مناطق الاشتباك، بحيث يكون الجبل في جهوزية لأي تطورات وحاضنا للنازحين، وهذا الأمر ان عنى شيئا، كما تقول المصادر، فهو ان جنبلاط يستشعر المخاطر الداخلية التي قد تنشأ عن توسع العمليات العسكرية، ويعني عمليا ايضا الدعوة لتجاوز أحداث أيار ٢٠٠٨ .
مواقف جنبلاط الأخيرة شكلت مفارقة مهمة في مضمونها ونتائجها المستقبلية، فهو يرفض استعداء حزب الله في مرحلة دقيقة ومفصلية، ويسعى لتأمين الغطاء الداخلي لعمل المقاومة وحماية ظهرها، بعد فترة طويلة من الصدام مع حزب الله، حيث كان “الاشتراكي” جزءا من الفريق المواجه للحزب.
التقارب بين الضاحية والمختارة لم يعد مخفيا، وحزب الله “ممتن” بقوة لمواقف جنبلاط الذي يتعامل بواقعية مفرطة مع الأحداث، وينتظر تطورات الحرب في قطاع غزة ولبنان لبناء استراتيجيته المقبلة، التي يتوقع ايضا الا تكون معادية للمقاومة، خصوصا ان جنبلاط على المدى البعيد متخوف على مستقبل المنطقة وما يرسم من خرائط.
وترى المصادر المقربة من المختارة ان وليد جنبلاط كان أول السياسيين الذين التقطوا الإشارات الخارجية بعد ٧ تشرين، وبمتابعته السياسية اكتشف ان ما بعد الحرب ليس كما قبله، وان الحرب الراهنة ليست مجرد معركة وتمضي، بل ستفرض توازنات جديدة، إلا ان “الاشتراكي” يحاول ان يقنع من يلتقيهم بالواسطة عن حزب الله ومَن يتواصل معهم، بعدم توسيع رقعة الاشتباك وتوريط لبنان في الحرب، فالعدو الإسرائيلي “فاقد أعصابه وأهليته العقلية”. وبالتالي، يجب عدم اعطاء العدو الذريعة، لأن أي مغامرة او عمل عسكري كبير سيكون مكلفا بتدمير بيروت وتحويلها الى غزة ثانية، ومن هذا المنطلق يعتبر “الاشتراكي” ان تنفيذ ال ١٧٠١ يجنب لبنان “المغامرة الإسرائيلية”.
وتقول المصادر نفسها انه على الرغم من موقف جنبلاط من أحداث غزة، فهذا الموقف لن ينعكس على الموضوع الرئاسي مستقبلا، والأمور متروكة لأوقاتها. فلم يصدر عن جنبلاط اي إشارات في الموضوع الرئاسي، وان كان الأرجح البقاء على تقاطع رئاسي مع المعارضة، في حين ان السير بمرشح حزب الله الرئاسي سليمان فرنجية مطروح في حالة واحدة فقط، هي حال التحولات الإقليمية الكبرى.