بعد مجزرة مجدل شمس، كل شيء تغيّر، كل شيء تفجّر فجأة لدى العدو الإسرائيلي، وكأنه كان معدّا سلفا. بالخرائط والوثائق، وبتوقيع الأوامر، وبالقطع اللوجستية والإستخباراتية والعسكرية على الأرض، كل شيء كان مهيّأ سلفا للإنتقال بالحرب، إلى صعيد أدهى وأشدّ. ولم تكن المفاوضات حول الهدنة في غزة، وفي الجنوب اللبناني، وحول تبادل الرهائن، لم تكن مفاوضات التهدئة كلها، في العواصم التي جرت فيها، أو تلك التي شهدت عليها، إلّا مناورة، إلّا علكة أو مضغة مرّة، يمارسها العدو لتمرير الوقت، لمضغ مرارة، بل قساوة الوقت، حتى تحدد الأهداف، وحتى تحضر وتجهز غرف العمليات، وحتى تظهر الإشارة، ويعطى الأمر من القيادة الإسرائيلية لتنفيذها، وحتى تظهر نتائجها على الأرض.
رمى المجرمون الإسرائيليون، وعلى رأسهم نتنياهو صانع الدم، ومجنون المجازر والحروب، هذه المرة، في ملعب مجدل شمس، ثم أسرعوا لإستثمار مأساة مجزرة الأطفال، قبل أن يجف الدم على أرض الملعب. صاروا يكيلون الإتهامات، يمينا وشمالا. وصاروا يحملون المسؤولية الكاذبة للمقاومة وللحزب. وصاروا يستثمرون في تحميل المسؤولية الكاذبة، يلهثون ورائها، مثل الوحوش والثعابين الشاردة. وكانوا يتوقعون لحملتهم المشبوهة وإدعاءاتهم الفارغة، بكل أضاليلها ودعاياتها وأغراضها المزيفة، أن تنطلي على الأهالي وعلى المرجعيات، وأن يخترقوا وحدة الصف في الجولان وفي لبنان، وفي كل مكان، بالبلبلة وبالإشاعات وبالتقارير وبالتحقيقات الإصطناعية الملفقة والمضللة والكاذبة.
غير أنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم، وكأنهم يضربون في حديد بارد، فباؤوا بالفشل، ذلك أن تزوير الحقائق أو تلفيق الأباطيل، ما عاد ينطلي على أحد. فما وجدت إسرائيل من يقتنع بروايتها الفاجرة، التي تريد أن تضرب بها في مكان آخر، وأن تمزق وحدة الموقف ووحدة الصف، في الجولان وفي لبنان وفي كل مكان، كما قلنا سابقا، كانت وحدة الصف أقوى، وكان القرار بالإجماع، عدم استقبال صانع الدم، هتلر العصر، نتنياهو في العزاء هو وجميع وزرائه المجرمين. فكان أن خرجوا إليه لطرده، وإغلاق الباب في وجهه كمجرم حرب، وعدم السماح باستقباله، واستقبال سائر مجرمي الحرب أمثاله، من الصهاينة الغزاة الذين استمروا في دك قطاع غزة، وجرف غزة ونفسها وسائر مدن القطاع، بكل وحشية وجبروت، طيلة تسعة أشهر بالتمام وبالكمال.
كان القرار واحدا عند أهالي مجدل شمس، بطرد جميع المجرمين الإسرائيليين، من مجلس العزاء، وعدم إلإنجرار إلى البلبلة والفتنة، وعدم القبول بالرواية الإسرائيلية الكاذبة. كان صوت العقل ينادي على المجرمين المحتلين، بالخروج الفوري من دور العزاء.
قبل مجزرة الأطفال في ملعب مجدل شمس، كان وليد جنبلاط، علامة فارقة، في الموقف الوطني والقومي والفلسطيني، وفي جبهة المواجهة. وهو يرى بكل ألم، كيف يعامل الفلسطينيون بوحشية مطلقة. يحاول أن يرفع الصوت ضد العدوان على شعب يُباد، غير أنه يؤجّل مبادرته، للإصغاء للعقلاء، وللإصغاء لصوت العقل. غير أنه بعد وقوع المجزرة في مجدل شمس، صار وليد جنبلاط قيمة مضافة، على الساحة الوطنية الفلسطينية المقاومة، صار إضافة كبيرة في جبهة المواجهة لإعلاء الصوت، لم يتردد و لم يتلكأ، عن الحزم في المعركة الوجودية مع العدو الصهيوني المجرم اللئيم والخبيث، في إستغلال دماء الأطفال لشق الصف. جعل كل القضايا الخلافية، ورائه، وجعل تاريخه النضالي أمامه، وأعاد رسم خارطة الطريق إلى فلسطين، في هذه المرحلة الجديدة، من الصراع الوطني والقومي مع العدو الإسرائيلي، وحسم الأمر. أضاف وليد جنبلاط لجبهة المقاومة جدارا وسقفا، وأحيا تاريخا شعبيا كاد أن يُنسى، للحركة الوطنية اللبنانية الفلسطينية في الصراع مع العدو الإسرائيلي. فكان بذلك حقا القيمة المضافة، على الحسابات الإسرائيلية الراهنة، عندما بلغ الطيش بالعدو الصهيوني، مبلغه، وصمم على ضرب قوى المواجهة والمقاومة ببعضها.
كان موقف وليد جنبلاط حازما، بعدم الإنجرار إلى الفتنة الأهلية، وبعدم تصديق أكاذيب وادّعاءات ودعاوى الصهاينة. كانت دعوته لأهله الموحدين الدروز، في الجولان المحتل، بعدم الوقوع في الفخاخ التي ينصبها المحتلون الصهاينة، والإنضمام إلى المسيرة المواجهة وامعارضة والمقاومة، لكل أشكال التفتيت والشرذمة، في الجولان المحتل.
وكان الإلتزام التام من أهالي الجولان المحتل بسماع صوت العقل من القيادات التاريخية، الذين لهم باع طولى في الصراع مع العدو الغاشم، وفي طليعتهم وليد جنبلاط، لما له من خبرة في فهم مناورات العدو الإسرائيلي، وأهدفه المموّهة بعناية فائقة. وهو الذي أستحضر في واقعة مجزرة الأطفال بالجولان المحتل، كل تاريخ العدو الإسرائيلي الخبيث في لبنان، وفي قرى الشريط الحدودي، وفي الجبل، وفي مدن الساحل اللبناني، من الناقورة حتى بيروت.
وليد جنبلاط، يقرأ على مهل، ويفكر على مهل ويتخذ القرار على مهل، فيكون القرار الناضج والموقف الناضج، لدعم الشعب والمقاومة، في معركتها الحامية اليوم، داخل الأراضي المحتلة وخارجها. وليد جنبلاط، يرى اليوم من منظاره، بعد مجزرة الأطفال في الجولان، أن المعركة الدائرة في لبنان وعلى لبنان، وفي جميع الساحات، وعلى جميع الساحات، ما عادت لتمنحه وقتا لترف التمايز والتردد والنظر في الوزنات وفي التوازنات اللبنانية، داخل النسيج اللبناني وحده، بل ها هو يسرع للإنضمام للجبهة الكبرى الموحدة، لجبهة الدفاع عن الوجود والكيان، في هذه البرهة التاريخية من الصراع القومي و الوجودي، مع الكيان الإسرائيلي، فالشعب العربي كله في الأراضي المحتلة، أصبح وجها لوجه، إما أن يكون، أو لا يكون، في المعركة الوجودية الأصعب والأقسى في البرهة الراهنة.
لهذا كله، بدا وليد جنبلاط، زعيما وطنيا وقوميا في عيون شعبه، إضافة كبيرة، بل قيمة مضافة، في معادلة الساحة والساحات، والحرب والهدنة والتهدئة والمناورة الخبيثة، ففي قرارة نفسه حتما، شيء من جمر الإحتلال والإغتصاب للشعب وأرضه، يشعر بها أنها تحرقه من الداخل، خصوصا، وقد صارت البلاد كلها على مرجل الوقت.
بعد واقعة مجدل شمس المأساوية، كل شيء تبدّل في الموقف الجنبلاطي، صار الهمّ الوطني والقومي، هو الذي يشغله، يخشى الخبث الإسرائيلي للإستثمار في الفتنة الطائفية. يخشى تمزّق الصف الواحد، في البرهة التي هي أحوج ما تكون لوحدة الصف. يخشى الإيقاع بالشعب من الخلف. إستحضر وليد جنبلاط، تاريخ البيت الجنبلاطي العريق، في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، طيلة القرن الماضي، ولم يعد بعد من مجال لإضاعة الوقت، مع دهاء العدو المراوغ والخبيث، الذي همّه الأعظم، القضاء على القضية العربية والإسلامية بالكامل، ووضع اليد على كامل الأرض، وإشغال الأهالي العرب، بالإقتتال الداخلي، على صورة ما جرى في زمن ملوك الطوائف في الأندلس، حتى يتمكنوا من فرض السيطرة والهيمنة والتهجير والتطويع، إلى آخر المعادلة الإستعمارية الحديثة، ولو تحت أنظار المجتمع الدولي ونظرته المريبة.
وليد جنبلاط، قيمة مضافة في الصراع الوطني والقومي والإسلامي اليوم مع العدو الإسرائيلي. أيقظت فيه مجزرة مجدل شمس، جذوة النضال التاريخي في الدفاع عن عروبة فلسطين والجولان، والدفاع أيضا عن قرى ومزارع الجنوب المهدّد والمحتل. وليد جنبلاط، إضافة كبيرة بل قامة كبيرة، في التصدّي لخبث بل لخبائث ومكائد العدو المحتل.