IMLebanon

“تكويعة” جنبلاطية من ساحة معراب

 

التقاء على الدستور والسيادة

 

 

ثبات على دعم السيادة

يشهد لبنان حالياً التغيّر الأكبر في خريطته السياسية. وبين الأمل بوقف إطلاق النار وسير المفاوضات، يبدو أن الحرب مستمرّة. وإذا كان لا قدرة للأطراف الداخلية على التأثير في سير المعارك، إلّا أنّ التواصل الداخلي مفيد في مرحلة مصيرية مثل هذه المرحلة.

 

 

بين المختارة ومعراب بعد جغرافي، لكن في السياسة، وعلى الرغم من بعض التباينات تبدو المسافات قريبة. ومنذ خروج رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من المعتقل في تموز 2005، والتفاهم يسود بينه وبين النائب السابق وليد جنبلاط مع بعض الاستثناءات. كما يسود التفاهم بين القواعد القواتية والاشتراكية على الأرض.

 

كانت “القوات اللبنانية” إلى جانب البطريرك الراحل مار نصراللّه بطرس صفير في مصالحة الجبل التاريخية عام 2001 والتي أسّست لمعركة الاستقلال الثاني. كما أسّست بعد الخروج السوري من لبنان عام 2005 لتحالف “الاشتراكي” و “القوات” في انتخابات 2005 و2009 و2018 و2022.

 

 

وحصل التلاقي الأخير بينهما في دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور إلى رئاسة الجمهورية.

 

 

لا تقلّ المرحلة الحالية أهمية عن الـ 2001 و 2005. وتُطرح اليوم على بساط البحث مسألة الكيان بعد الحرب التي تدور في الجنوب وتطول كل لبنان. علماً أن الدروز والمسيحيين شكّلوا حجر الأساس في بناء الكيان اللبناني من إمارة الجبل إلى متصرفية جبل لبنان وصولاً إلى لبنان الكبير.

 

 

فرزت انتخابات 2022 القوى الأكثر تمثيلاً. وكرّست جنبلاط الزعيم الأكبر درزياً دون منافس يذكر، وأعطت “القوات اللبنانية” الكتلة الكبرى في البرلمان عموماً وداخل البيئة المسيحية خصوصاً. لذلك من الطبيعي حصول لقاء ونقاش وحوار بين جعجع وجنبلاط في هذه المرحلة نظراً لتمثيلهما الواسع.

 

 

أعلن جنبلاط الأسبوع الماضي أنه سيزور معراب نظراً للظروف الأمنية المحيطة بجعجع والتي تمنعه من التنقّل. وتأتي أهمية هذا اللقاء من رمزيته قبل جدول أعماله أو المواضيع التي ستناقش خلاله.

 

 

فجنبلاط وجعجع شكّلا أهم أعمدة ثورة الأرز، ما يعني أن تفعيل العلاقة بينهما في هذا الظرف، يشكّل ملاقاة الداخل للتحوّل الاستراتيجي الكبير الذي يحصل في لبنان والشرق.

 

لم يُعلن بعد عن موعد صعود جنبلاط إلى معراب، مع ترجيح حصول الزيارة هذا الأسبوع إذا لم تحصل أي مفاجأة. وإذا كان بعض المتابعين يعتبرون أن جنبلاط يحضّر لـ “تكويعة” جديدة، فستكون معراب ساحتها، إلّا أنّ جنبلاط استبق الزيارة بإطلاق سلسلة مواقف تصبّ في اتجاه النهج السياسي الذي تتبعه “القوات”، وأهم تلك المواقف هو القول لإيران كفى، ورفض تحوّل لبنان إلى ورقة بيد طهران، والتأكيد على تطبيق القرارات الدولية بكلّ مندرجاتها.

 

يكمن خوف كبير في أعماق جنبلاط حول ما قد يحلّ بالدروز ولبنان. وهو يحاول بناء مظلة أمان وسط حروب الكبار، ويدرك زعيم المختارة انتهاء عصر سيطرة إيران على عواصم عربية ومن ضمنها بيروت، لذلك يريد أن يكون على أهبّة الاستعداد لمواجهة ارتدادات الموجة المقبلة، بعدما بات “حزب اللّه” غير قادر على الإمساك بحكم البلد.

 

يُساهم التلاقي بين الجانبين في أغلب المواقف في إنجاح اللقاء بين جعجع وجنبلاط. وهذا التناغم يتجلّى في مطالب الرجلين بحماية لبنان من الحرب ووقفها والعودة إلى اتفاقية الهدنة وتطبيق القرارات الدولية والتزام اتفاق “الطائف” وفرض سيطرة الدولة على كامل الأراضي وجمع كل السلاح غير الشرعي وانتخاب رئيس جمهورية سيادي وإصلاحي وإطلاق خريطة طريق للمرحلة المقبلة.

 

يتفق جعجع وجنبلاط على الجوهر ولو اختلفا في الأسلوب وبعض التفاصيل. وسيؤسّس هذا اللقاء برمزيته للقاءات سياسية شبيهة، والغرض هذه المرة ليس تشكيل جبهة معارضة، بل جبهة إنقاذ وطني. حتى لو لم تكن هناك زيارات في المرحلة السابقة، إلّا أن التفاهم عن بعد كان يحصل.

 

وتتفهم معراب ظروف جنبلاط التي تحتّم عليه اتخاذ بعض المواقف التي لا تنسجم مع قناعاته.

 

يشكّل لقاء معراب عودة لجنبلاط إلى موقعه الطبيعي. ويدلّ تعزيز علاقته بجعجع الذي ظلّ ثابتاً على مواقفه، على الاتجاه السياسي للمرحلة المقبلة. وستبقى صلة الوصل بين جنبلاط وعين التينة مستمرّة، لأن جنبلاط يفتّش عن طرف شيعي لبناني يتحدّث معه بعد تسلّم إيران  قيادة “حزب الله” مباشرة . من هنا، يحصل التحوّل الكبير . وستدلّ تصريحات جنبلاط المرتقبة من على منبر معراب على ذلك.