وحدها البيانات المتطايرة بين بيت الوسط وميرنا الشالوحي، وقبلهما التسريبات الإعلامية، هي التي تملأ الفضاء الحكومي. أمّا غير ذلك، فلا شيء جديد. فعلى الرغم من المحاولات التي يقودها البعض على خطّ تحقيق خرق في الجدار الحكومي، إلا أنّ الجمود هو المسيطر، بدليل الاتهامات المتبادلة بين الفريقين الأساسيين، أي “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحرّ”، على نحو يرفع من منسوب التوتر بينهما، ويثبت بأنّ الزمن ليس زمن تفاهمات قد تنتهي قريباً إلى كتابة مراسيم الحكومة.
اللافت، أنّ هذا السجال جاء بعد ساعات قليلة من كلام نوعيّ أدلى به رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط تنازل خلاله عن “امتياز” حصرية التمثيل الدرزي في حكومة الـ18 وزيراً، مسقطاً ممانعته لتوسيع الحكومة، اذا كان في هذا الطرح مساعد على قيام الحكومة. وقد بدا كلام جنبلاط وكأنه “تمريرة” من جانبه، تسهيلاً للمشاورات العالقة في عنق الزجاجة، تزامن مع ما تمّ تسريبه حول عرض أودعه رئيس الجمهورية ميشال عون لدى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بقبوله بستة وزراء بينهم الوزير الأرمني، أي بعد التخلي عن الثلث المعطل… بشكل يضع كرة التعطيل في ملعب رئيس “تيار المستقبل”.
بالتفصيل قال جنبلاط: “أنا مع التسوية، ولست متمسكاً بعدد الـ 18 وزيراً. الحريري متمسكٌ به. أشكره، لكن لم تعد هناك أية تفاصيل. البلد كله ينهار، ولا بد من حكومة. وجولات الحريري الخارجية مفيدة جداً، لكن في الأخير نريد أن نرى شيئاً على الأرض. هذا مطلوب منا جميعاً”.
وفق الاشتراكيين، فإنّ المواقف التي أدلى بها جنبلاط لا تصبّ في خانة الضغط على الحريري ولا يفترض بأنّها ستؤدي إلى انزعاجه، خصوصاً وأنّه شكره على تمسّكه بصيغة الـ18 وزيراً، ولكن المقصود من هذا الكلام، هو أنه اذا كان تمسك الحريري يُراد منه الإبقاء على ورقة حصرية التمثيل الدرزي لدى المختارة، فهو لا يمانع في التنازل عنها، اذا كانت هذه الخطوة تساعد على ولادة الحكومة والتخفيف من أثقال الخلافات التي تطوقها.
يضيف هؤلاء أنّ قوى الثامن من آذار معنية أيضاً بهذه الرسالة، وذلك بعد تحديد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرلله قواعد التأليف باثنتين، توسيع الحكومة مقابل اسقاط الثلث المعطل. ولهذا بادر الزعيم الدرزي إلى رمي الطابة في ملعب هذا الفريق، من خلال نزع ورقة ممانعته لتوسيع الحكومة مقابل إقناع الفريق العوني بالتخلي عن الثلث المعطّل، وذلك من باب اختبار نوايا هذا الفريق وعدم إلقاء تهم التعطيل على الآخرين، خصوصاً بعد “لقاء خلدة” الذي حاول تصوير الأزمة الحكومية وكأنها محصورة بالعقدة الدرزية. وهذا ما كان لا بدّ من توضيحه وسحب ذريعته.
وقال جنبلاط: “بعد شوي حزب الله أصبح رهينة جبران باسيل”، لأنهم يريدون حليفاً مسيحياً، ولأن جبران باسيل عانى من العقوبات الأميركية. اليوم باسيل لديه سلطة عليهم. ومن أسبوع تقريباً خطبَ حسن نصرالله، وقال إنه يضمن الثلث المعطل. لكن أتى الجواب من باسيل وقال، “أنا أريد الثلث المعطل”، وهو حالة عبثية”.
ولذا يؤكد الاشتراكيون أنّ موقف جنبلاط لا يفترض أن يزعج رئيس الحكومة المكلّف لأنّ المطلوب منه هو رمي كرة المسؤولية عند الفريق الآخر، خصوصاً اذا كان جاداً في عدم تمسكه بالثلث المعطل، وبالتالي، إنّ خطوة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” هي بمثابة اختبار لهذا الفريق، وتحديداً للعهد الذي يسعى دائماً إلى تحميل رئيس الحكومة المكلف مسؤولية المماطلة، تحت عنوان رفض السعودية لوجوده على رأس الحكومة بحجة مشاركة “حزب الله”، بينما كل المعنيين يدركون جيداً أنّ “الحزب” سهّل هذا الأمر من خلال قبوله بقاعدة تمثيله عبر اختصاصيّ لا يستفز أي جهة خارجية. إلا أنّ العقدة لا تزال بنظر هؤلاء في عدم استعجال الإيرانيين لتسهيل ورقة الحكومة اللبنانية قبيل جلوسهم إلى طاولة الحوار مع الإدارة الأميركية.
ويكرر الاشتراكيون قولهم إنّ جنبلاط لم يكن يوماً متمسكاً بأي قاعدة ثابتة للحكومة، وهو تحت عنوان الخشية من الانهيار الشامل، منح حكومة حسان دياب التي كانت مرفوضة من قوى الرابع عشر من آذار، فرصة كي لا تترك الأمور تفلت من عقالها. فكيف بالحري حكومة سعد الحريري؟ بمعنى أنّ جنبلاط يستعجل قيام الحكومة البارحة قبل اليوم، وبأي صيغة أتت، لأنّها آخر الفرص المتاحة.