لم يشكّل موقف رئيس “الحزب التقدمي” وليد جنبلاط مفاجأة لأحد، فهو معروف بمواقفه المتقلبة بفعل تقلب الظروف، لكنه قلّما يخطئ في معاينته للوضع عن كثب، وفي النهاية يقرّ خصومه قبل أصدقائه بانه يصيب دوماً الهدف والغاية.
فما كاد يعلن ميله لإعطاء حكومة الرئيس حسان دياب “فرصة” باعتبار أن وجودها أفضل من الفراغ، حتى صوّب جنبلاط في الامس القريب سهامه مجدداً نحوها، سائلاً: “ماذا تخفي هذه الحكومة التي لم يذكر رئيسها كلمة عن الإصلاح، وقطاع الكهرباء، وحماية الصناعة وضبط الحدود الشرعية وغير الشرعية وتجاهل الكورونا والتشكيلات القضائية وغيرها؟”، مضيفاً: “الحقيقة هي تعميم الإفلاس والانتقام من طبقة سياسية من خلال أدوات الحقد والظلام الشمولي”.
موقف جنبلاط الاخير لم يأتِ من فراغ، كما تؤكد مصادره لـ”نداء الوطن”، “فقد سبق أن أعلن مراراً وبوضوح تموضعه في صفوف المعارضة في هذه المرحلة”. وهنا حرصت المصادر على التذكير بأن كتلة “اللقاء الديموقراطي” لم تسمّ الرئيس دياب لرئاسة الحكومة وكذلك هي لم تمنح الحكومة الثقة في مجلس النواب، “وبالتالي من الطبيعي أن يصدر هذا الموقف في هذه المرحلة”.
وكشفت أن “الاعتراضات الأساسية التي تقلق رئيس الحزب تتعلق بضعف الاجراءات المتخذة لمواجهة تفشّي “كورونا”، وهو أصبح بمثابة وباء عالمي ينذر بمخاطر اجتماعية كبيرة على لبنان، لذلك اعطى توجيهاته لكل المسؤولين في الحزب بضرورة التعاون مع المدارس والجمعيات ودور العبادة في المناطق المختلفة في الجبل وراشيا وحاصبيا وسواها من المناطق للتعقيم، وزوّد هذه المناطق بكل ما تحتاجه من معدات وأدوات لتلافي تفشي هذا المرض”.
أما على المستوى السياسي، فإن ما يقلق جنبلاط أن “تكون الحكومة قد استنسخت الخطة نفسها التي وضعت من قبل اطراف معينة تولت وزارة الطاقة في ما يتعلق بالكهرباء منذ عشر سنوات ولم تقدم حلاً، بل على العكس، فاقمت الدين والعجز في الخزينة”، وبالتالي يعتبر جنبلاط أن “الاصرار على تغييب الهيئة الناظمة وتأخير تعيينها وعدم تعيين مجلس ادارة لمؤسسة كهرباء لبنان يهدف بشكل او بآخر إلى تمرير التلزيمات الكبرى في قطاع الكهرباء، من دون أن تكون هناك شفافية أو اشراف من الهيئة الناظمة وفق ما تنص القوانين”.
أما على المستوى المالي والنقدي، ووفق المصادر: “لا مفر من الاستعانة بصندوق النقد الدولي، ليس بشروطه، انما باستطاعة الحكومة ان تفاوضه للحصول على المساعدة المطلوبة لانقاذ الاقتصاد او ما تبقّى منه قبل الانهيار التام، لا سيما ان المعلومات التي ترد من العواصم الغربية تفيد بأن الدعم الذي توافر في “سيدر” لن يُقدم الى لبنان ما لم يرتبط بصندوق النقد، لان المجتمع الدولي فقد الثقة بلبنان ولن يقدم هذا الدعم ما لم يتأكد من ذهابه الى موقعه الطبيعي”. وتضيف: “الحزب لم يخف قراره بأن يكون في المعارضة، وطبعاً المعارضة المسؤولة والعقلانية والبناءة، لأن البلاد لا تحتمل التجاذبات والتجاذبات المضادة”. وتؤكد المصادر أن “زيارة مستشار رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي رامي الريس الى بكركي كانت ايجابية جداً ومثمرة، واستذكر خلالها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مسألة المصالحة التاريخية في الجبل في العام 2001 واعتبرها علامة مضيئة في تاريخ لبنان المعاصر، والتي عادت وتكرّست مجدداً في زيارته التاريخية الى المختارة سنة 2016 لافتتاح كنيسة سيدة الدرّ”، وأشارت الى ان “موفد جنبلاط نقل الى البطريرك رسالة من رئيس الحزب تؤكد حرص المختارة على تعميق العلاقة مع بكركي بصورة دائمة ومتواصلة في مختلف المحطات، لا سيما في هذه المرحلة الحساسة. وكانت الآراء متفقة على ضرورة ان تسرع الحكومة في اطلاق اوسع مشروع اصلاحي فوري وجذري على كل الاصعدة قبل ان يفوت الاوان”.