IMLebanon

جنبلاط و”طواحين” قانون الإنتخاب… “حنين” إلى زمن “المحادل”!

 

تُشكّل محطّة الإنتخابات النيابية مناسبة للقوى السياسية من أجل إبراز قوّتها وحجمها في البرلمان، في بلد تُدار لعبته السياسية من خارج المؤسسات.

لا يتأثّر الوضع السياسي في لبنان بنتائج الإنتخابات، لأن التحالفات تتبدّل، ولا يوجد منطق سلطة ومعارضة، في حين أن تراجع حجم أي كتلة نيابية لا يعني انتهاء دورها أو تراجعه.

بلغ رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط ذروة قوته النيابية في إنتخابات العام 2000، مستفيداً من “قانون غازي كنعان” الذي منحه مكاسب كبرى مع الرئيس رفيق الحريري، يومها كان الشوف دائرة إنتخابية وشكّلت بعبدا وعاليه دائرة أخرى. وبعد خروج السوري في العام 2005، حافظَ جنبلاط على كتلة وازنة وصلت إلى 15 نائباً، ولم تتراجع هذه الكتلة على رغم إقرار “قانون الستين” في إنتخابات 2009، والذي ظهر للفريق العوني أنه يخدم جنبلاط أكثر ممّا يضرّه.

كان جنبلاط أمام اختبار صعب للغاية في العام 2018، فقد خاض الإنتخابات على أساس “قانون النسبية” والصوت التفضيلي، وقد تمّ ضمّ الشوف إلى عاليه لإراحته وخلق دائرة يتمثّل فيها الصوت الدرزي، وعلى رغم حفاظه على كتلة من 9 نواب، لم يرتح لهذا القانون.

ولا يوفّر جنبلاط مناسبة إلا ويهاجم قانون الإنتخاب الذي اتّفق عليه المكوّن المسيحي ونال رضى السنّي والشيعي، ويكيل لهذا القانون أفظع الأوصاف، وكان آخرها وصفه بـ”القانون العنصري”. وبحسب أوساط في “اللقاء الديموقراطي”، فإن نقمة جنبلاط على القانون تأتي من كونه قانوناً تقسيمياً، إذ قسّم لبنان إلى 15 دائرة على أساس طائفي ومذهبي، وتمّت صياغته بطريقة معقّدة، فالناس لم تفهمه حتى اليوم، وقد عمّق الصوت التفضيلي المذهبية لأن كل مقترع يفضل بالإجمال أن يقترع لإبن مذهبه ولو لم ينص القانون على هذا الأمر وترك الحرية بالتصويت.

هذا بالنسبة إلى المبادئ العامة، لكن عند الدخول في التفاصيل أكثر، فإن جنبلاط يُعتبر من أكثر المتضرّرين من هذا القانون النسبي لأنه يُكرّس العددية، وعلى سبيل المثال لم يتوقّف الزحف السنّي في إقليم الخروب، وكذلك عاد قسم مهمّ من المسيحيين في الجبل ليمارس دوره السياسي، وبالتالي فإن الوضع سيكون أكثر كارثية في حال لم يتحالف مع حزب مسيحي أساسي، أو لم تدعمه القوة السنّية الأكبر في الإقليم.

ودرجت العادة أن يترك جنبلاط مقعداً لرئيس الحزب “الديموقراطي اللبناني” النائب طلال إرسلان في عاليه، لكن الدخول العوني سمح لإرسلان بأن تكون لديه كتلة من الشوف وعاليه مستعارة من تكتل “لبنان القوي”، والأخطر بالنسبة إلى البيت الجنبلاطي هو خرق الساحة الدرزية بشخصيات جديدة أبرزها رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب المدعوم من “حزب الله” والنظام السوري.

يقرأ جنبلاط جيداً التبدّل الحاصل في المزاج الشعبي اللبناني عموماً والدرزي خصوصاً. ففي ظل نظام أكثري يصعب على الجميع خرق ساحته، لكن النظام النسبي يسمح بتمثيل أي لائحة إذا نالت الحاصل الإنتخابي، وبالتالي فإن نظام المحادل قد انتهى. ويكتشف جنبلاط أن نجله النائب تيمور لا يمكنه قيادة السفينة في هذه المرحلة، وقد جهد “الإشتراكي” في الدورة الأخيرة لتأمين فوز النائب مروان حمادة، لكن هذه المرّة ستكون المهمّة أصعب بعد الغموض الذي يلف اتجاه الرأي العام، والذي قد ينفجر بمفاجآت في صناديق الاقتراع.

يعرف جنبلاط أنه يخوض معركة غير مضمونة لتغيير قانون الإنتخاب وكأنه يقاتل “طواحين الهواء”، وإذا كان الرئيس سعد الحريري مع جنبلاط في هذه المعركة قلباً وقالباً إلا أنه لا يجرؤ على فتح باب هكذا حرب، في حين أن صديقه الرئيس نبيه بري فتحه من نافذة لبنان دائرة إنتخابية على أساس النسبية، ما يشكّل “مذبحة” إنتخابية لجنبلاط عندها يذوب وطائفته في بحر الأكثريات الهائجة.