Site icon IMLebanon

لا لـ”التسويات”

 

حبذا لو يتوقّف وليد جنبلاط عن تكرار الدعوة الى “تسوية” ووجوب العودة إليها سبيلاً لإنقاذ البلاد.

 

ومع التقدير لرغبة جنبلاط الدائمة في الحفاظ على السلم الأهلي ومنع انزلاق الاقتصاد والأمن ومعيشة الناس الى الحضيض، فإن ترويجه لفكرة “التسوية” اليوم لا يقع في مكانه السليم لأن ما كان يُخشى منه وقعنا فيه، والمحظور صار من عاديات معاناة اللبنانيين.

 

نعلم ان هذه البلاد قائمة على التسويات، وأن كل الصراعات التي عانى منها لبنان منذ الاستقلال انتهت بتسويات جرت تغطية تجاويفها بشعارات مثل “لا غالب ولا مغلوب” و”لبنان لا يطير الا بجناحيه” فقَبِل بها المسلمون على مضض، أو رضخ المسيحيون لها اعترافاً بتغيّر موازين القوى… كذلك الحرب الأهلية وقضايا التهجير كان لا بدَّ من ان تنتهي بمصالحات وتعويضات. هي تسويات عالجت نوائب استدعت حشر كل المراهم لتسكير الجراح، أما تلك الحاصلة منذ اتفاق الطائف وتثبيت “وثيقة الوفاق” فهي محاصصات وتقاسم نفوذ وسرقات مرفقة بتواطؤ متنوع على حق الدولة في استعادة سيادتها والتحول الى دولة قانون، وهو مسار دمَّر الدستور وبات يفرض التفكير بمستقبل النظام لا بترقيعه أو تغطية مثالبه بالتسويات.

 

فكرة “التسوية” لا ينتجها إلا العقل المتنوّر في الأساس، لكنها لم توجد لضمان الحصص ووراثة المناصب، وهي حتماً ليست تنازلاً عن الأساسيات ولا استسلاماً لاحتلال عدو أو شقيق، ولا إقراراً بهيمنة شريك في الوطن حتى لو تسلَّح حتى الأسنان. هي خطوة في اتجاه واضح، وهو المواطنية وحق الفرد والجماعات بدولة تضمن العدالة والسيادة والتنوع والأمان.

 

لا شكوك في نية وليد جنبلاط، لكن “التسوية” ستعيد عملياً انتاج تحالف السلطة والمافيا وجمع ما تيسر من أوراق تين “ربط النزاع” لستر عورات تركيبة استولت بالكسر والخلع على مقدرات البلاد واستخدمت وقود الطائفية و”حقوق الطوائف” لتحقيق غايات فردية وفئوية، ورهنت السيادة للخارج والسلاح حارمةً اللبنانيين من دولة تحمي أرزاقهم وحياتهم ومستقبل أولادهم.

 

لم يعد الوقت مفيداً لتسوية تُصلح ذاتَ البَين بين أطراف السلطة الذين كانوا ولا يزالون العلة والأسباب. كانت التسويات ممكنة قبل الانهيار وقبل فقدان الأدوية والمستلزمات الطبية وتحويل اللبنانيين شحادين “على باب الله”. وقبل ذلك كان علينا إدراك ان انفجار مرفأ بيروت ليس عرضياً أو استثنائياً حتى ولو كان اعتداء، بل خلاصة سلوك المنظومة في السياسة والأمن والمال، وبالتالي فإن المشكلة أكبر بكثير من سوء أداء.

 

“تسوية” جنبلاط، بحكمتها ومخاوفها، تُعمّم شعوره بالإحباط ولا تحمي الأقليات أو الأكثريات، ولن يغيّر الواقع تشكيلُ حكومة جديدة لمنظومة تمارس السلطة محتقِرةً المؤسسات. الانتخابات خطوة مهمة لكنها لا تعفي الأفراد والجماعات من ضرورة الإجابة على سؤال: أي لبنان نريد؟ كلٌ حر بالاختيار، لكن السيادة والديموقراطية والحياد عناوين لا تخضع لربط نزاع ولا لتسوياتٍ أو مساومات.