IMLebanon

كتاب مفتوح إلى سيّد المختارة الأستاذ وليد جنبلاط

 

تحيّة طّيبة وبعد،

 

احترت كيف أصفك. أنت لم تعد رئيس كتلة اللّقاء الدّيمقراطي في المجلس النيابي بعد أن قرّرت أن يأخذ مكانك في المجلس، وعلى رأس الكتلة، إبنك الأستاذ تيمور. هل أخاطبك كرئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي؟ إذا بأيّة صفة ذهبت تجول على المشايخ الأجلّاء لتخبرهم عن الحاجة للتّسوية؟ هل أصفك بالزّعيم الدّرزي؟ إذاً بأيّة صفة دعوت كوادر الحزب الإشتراكي للقائك في المختارة؟ اخترت أن أصفك بسيّد المختارة، ففي قصرك وتحت عباءتك تجمع كلّ الصّفات. حتّى إبنك وكتلته هما أيضا تحت عباءتك.

 

سيّد المختارة:

 

مسيرتك الحاليّة ستودي بنا عاجلا إلى يوم يتحوّل فيه هذا القصر وهذه البلدة الحبيبة، إلى مجرّد معالم تاريخيّة كما معالم فخر الدّين والأمير بشير الّشهابي في دير القمر وبيت الدّين. عندما يخسر قصر المختارة دوره في صناعة تاريخ لبنان، ويصبح صاحبه أميرا مثل غيره من الأمراء السّابقين في البلاد، يعمل كما عملوا، في خدمة والٍ من الخارج، عندها سيحلّ بكم ما حلّ بالأمراء قبلكم. فكيف إذا كان الوالي مقيما إلى جانبكم في حارة حريك،  وهو الأمير المتوّج لإيران، حاكمة لبنان؟

 

خياراتك لا تأخذ للأسف، قصر المختارة وحده ليصبح معلما تاريخيّا، بل تذهب بكلّ أسس الطّائفة التّوحيديّة وتاريخها. فالدّروز في لبنان هم من بناة هذا الوطن، ومن مداميك تاريخه، وكسبوا عبر التّاريخ إحترام الدّول وقاداتها. لا تسمح بأن يتحوّلوا إلى ذمّيين في وطنهم يحكمهم خليفة أو خادم لوليّ الفقيه. كانوا دائما في طليعة المقاومين للغزاة، فدعهم يكملون رسالتهم التاريخيّة حماة لثغور هذا الوطن وليس أقلّهم هذا الإيراني الفارسي الذي يريد وضعنا تحت عباءته.

 

أستاذ وليد،

 

ألا تتذكّر عبرة غزوة حزب إيران للجبل عام 2008؟ ألا تتذكّر كيف أنّ الدّروز بمشايخهم الأجلّاء وأبنائهم هبّوا للدّفاع عن عرينهم غير آبهين بسلاحه وجبروته ولا بنداءاتك المتكرّرة لعدم التّصدي له؟ التّاريخ لا يرحم الضّعفاء. لو استجابوا لك لكنّا الآن ذمّيّين فعلا تحت عباءتهم تماما مثل حاكم الجاهليّة «الضّحوك». لا فارق بين أنصار المقاومة والذمّيّة، فالعبارة الأولى هي سياسيّة أمّا الأخرى فهي دينيّة. مرافقتك والي الجاهليّة لزيارة والي خلدة، يعني أنّك تنضمّ إليهم في لعبة الولاة، وتعني أنّ لا فارق بينك وبينهم إلا بمن يقدّم الطاعة أكثر.

 

توقّف برهة وراجع نفسك. هل أنت خائف من أن تموت برصاصة أحد مرتزقة إيران أو بشّار أو غيرهما؟ هل أنت خائف من أن تخسر الإنتخابات النيابيّة؟ هل أنت غاضب لأنّك خسرت ثقة الدول الكبرى واحترامها؟

 

إذا راجع نفسك. فالخوف من الموت هو قلّة إيمان. الموت حقّ ولا بدّ منه. ومن طلب الموت وهبت له الحياة. وللحرّيّة الحمراء باب بكلّ يد مضرّجة يدقّ. فلنمت واقفين بدلا من أن نموت راكعين. والدك مات جسدّيا لكنّ اسمه حي في التاريخ، يذكّرنا كل يوم بقوله؛ وهل من شيء أشرف من العبور فوق جسر الموت إلى الحياة التي تهدف إلى إحياء الآخرين؟

 

إسأل نفسك، لماذا خسرت بعد كلّ تلك السّنوات أنت وحزبك ثقة النّاس في الجبل؟ الجواب وبكلّ بساطة، أنّكم قدّمتم للنّاس، في الدّاخل والخارج، أبشع الأمثلة. أنظر حولك فإنّ معظم رفاقك في الحزب الإشتراكي الذين زرعتهم إلى جانبك والآن إلى جانب خليفتك، أرهبوا النّاس وأذلّوهم، وملأوا خزائنهم بأموالهم. الناس أصبحوا فقراء. خسروا جنى عمرهم وأرسلوا أولادهم، فلذات أكبادهم، إلى الهجرة، فيما أزلامك يهرّبون أموالهم المكدّسة في البنوك إلى الخارج، وينعمون ببرك السّباحة في حدائق قصورهم.

 

قاتَلَنا السيّد سمير جعجع في الجبل، فقاتلناه. لكنّه بعد اتّفاق الطّائف، إختار السجن في أقبية بعبدا بدلا من قيادة وزارة تحت عباءة السوري، فاحترمناه. هو قال بأنّه أخطأ في حرب الجبل. وعرف أنّ عدوّه ليس الدّرزي في الجبل بل الأجنبي الذي ساقه إلى حرب مع أهله. أنت أقمت المصالحة مع أهلنا المسيحيين وكأنّها منّة منك، وليس اعترافا بأنّ الحرب كانت مفروضة علينا جميعا من أعدائنا في الخارج.

 

إسأل نفسك لماذا خسرت ثقة واحترام الدّول العربيّة والأجنبيّة؟ إسم والدك كان على كل لسان من يشارك في حركة الدّبلوماسيّة العالميّة، سواء لنظافة كّفه، أو لنظافة فكره، أو لروحه القياديّة في بناء مصير لبنان.

 

قال لي الأستاذ توفيق الشعار: «أعتقد أنّه ليس في الأفق غير التّسوية للخروج من نفق انهيار وجود لبنان. حتّى المبادرة الفرنسيّة باتت مطواعة للتّسوية. واستمرار التّجاهل الدّولي والعربي لمأساة اللبنانيين بسبب حكّامهم السّاقطين في العمل والأخلاق، وإحجام المجتمع الدّولي والعربي عن تقديم أيّة معونة جوهريّة تنقذ الشّعب اللبناني من الكارثة الاقتصاديّة الماليّة، لا يتركان مساراً آخر غير التّسوية مخرجاً مريراً للإنقاذ. فالعقوبات الدّولية والعربية أثبتت عدم جدواها، وبات واضحاً انّ الشّعب وحده يدفع ثمن لعبة الأمم القذرة».

 

لا يا أخي توفيق، فإن لبنان بخير. التسوية لن تأتي بغير ما جاءتنا به التّسويات خلال طوال السّنوات السّابقة. تلك التّسويات كانت ايضا بإرادة فرنسيّة مدعومة أميركيّا وبرضى إسرائيلي. نعم، العالم توقّف عن منحنا المساعدات، والتّسوية الآن تعني العودة إلى بترول لبنان لإنقاذ الوضع. هي تعني وبكلّ بساطة، ألإستجابة لرغبة الرّاعي الدّولي الفرنسي والأميركي بالتّنازل عن قسم من المياه الإقليميّة لمصلحة إسرائيل، وبالتّالي أراحة إسرائيل أمنيّاً وبتروليّا، وأيضا الإعتراف لها ومساعدتها لتتربّع سعيدة على تاج السّوق الإقتصادي ألشّرق أوسطي. وهذا يعني أن ننسى تفجير المرفأ فيتكرّس عبئاّ على كاهلنا، وينعم مرفأ حيفا بتتويجه مرفأ التّرانزيت بدلاّ عن مرفأ بيروت، ويكرًّس الأردن معبر لها إلى الخليج، بدلا عن سوريا المقاومة. كلّ ذلك مقابل ان تتربّعوا سعداء على السّلطة، فتنعمون بغنائم البترول. هذا إضافةً إلى أنّ كلّ ذلك هو مقدّمة لإنتخاب باسيل رئيساً للجمهورية. باسيل هو «سرّ» حسن نصرالله وربّما دول خارجيّة أيضا، بل وديعتهما بين المسيحيّين.

 

التّسوية ستكون مرحليّة فقط، مثل كل التّسويات السابقة. ستنتهي. فماذا ستربح أستاذ وليد وماذا سيربح الدّروز؟ ربحك مضمون وثروتك ستزيد وستعيد مجدك النيابي، ربما يستعيد النّاس بعض أموالهم، وأنا منهم. قد يكون هذا ما يجعل البعض يصمت عن التّسوية. فالنّاس لا ثقة ولا أمل لها بكم. لكن ما هو مصير الدّروز؟ هل سينسى المسيحي الشّريك في الوطن، أنّ سيّد المختارة هو الذي طرح التّسوية قبل سفر البطريرك بأيام؟

 

أستاذ وليد،

 

كلّنا إلى جانب البطريرك في نضاله من أجل سيادة لبنان واستقلاله. توقفوا عن التّرويج للتّسوية. إنضمّوا إلى البطريرك في مسعاه السّيادي. عودوا إلى النّاس. نحن في القرن الحادي والعشرين ولسنا في القرن التاسع عشر وما قبله، العقل يحكم الآن وليس الإقطاع.