Site icon IMLebanon

جنبلاط وقد عاد إلى مربّع الهجوم على “حزب الله”

 

كثيرة هي المرات التي رفع فيها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط اللهجة في مواجهة “حزب الله” ثم عاد وتراجع. يتقن الزعيم سياسة الاعتذار ويعتمدها اسلوب الواثق الذي لا يحرجه التراجع حتى صار مساراً سياسياً بذاته. مع الحراك الذي شهده الشارع في 2019 وعلى اثر اتهامه لايران و”حزب الله” بالانقلاب جاء من حلفائه الغربيين من يلفت نظره الى حقيقة المشهد وخلفياته. فعدل كلامه في غضون يومين وبعث برسالة اعتذار الى “حزب الله” وامينه العام مع التمني بتحييد الجبل مقابل تحييد طريق الساحل والشام. حتى الاسبوع الماضي كان جنبلاط حريصاً على التهدئة وتجنب الدخول في سياسة المحاور الداخلية مجدداً. لكنه عاد الى سابق عهده في المواجهة مع “حزب الله” ليعلن عن نفاد صبره تجاه “حزب الله”: “صبرت عليه كثيراً”. هجوم ينمّ إما عن تكويعة جديدة او مبايعة، او عرض تلقاه.

 

وبعد زيارة وزير خارجية دولة الامارات الى سوريا ولقائه الرئيس بشار الاسد يمكن وضع كلام رئيس الاشتراكي وهجومه المتجدد على “حزب الله” في سياق القول الشهير “يطعمك الحجة والناس راجعة”. حيث يذهب جنبلاط بمنطق التحدي في وقت يتجه فيه مسار المنطقة نحو تسويات، مستبقاً لقاءات تفاوض على جانب من الاهمية اواخر الشهر الجاري. وضع جنبلاط نفسه كجزء من ديناميكية الصراع مع “حزب الله” بعد ان كان حذراً ويتبع سياسة الحياد والنأي بالنفس عن المشاكل في الآونة الاخيرة. عاد جنبلاط الى تصعيده القديم، قد تكون هفوة من تلك الهفوات التي سيعود عنها لاحقاً بالعلن او عبر الرسول المعتمد من قبله الى “حزب الله”. عودة لها اكثر من تفسير، ولم تأت من فراغ.

 

فإزاء خوف جنبلاط على طائفته، وقلقه المتنامي على مستقبلها، يجد في الازمة مع السعودية ما يهدد لقمة عيش المعتاشين من ابناء الطائفة من الخليج، فأراد تحييدهم ولو ترك الامر له لاعتذر باسم الدولة.

 

وفي حمأة التحضير للانتخابات فقد يصعب فهم ما قاله خارج اطار التمهيد للموضوع الانتخابي، فهل هناك ما ينبئ باتفاق مع السعودية قائم على بلورة الدعم المالي والسياسي بهدف التقارب مع حلفاء المملكة، ولو على حساب تغيب الوجه السني المعتدل الى حين تحديد هوية البديل؟ حديث كهذا يتأكد في ضوء مراقبة المرحلة المقبلة وما ستحمله من تقارب لجنبلاط مع القوى السياسية المسيحية على وجه التحديد.

 

في المرحلة الحرجة داخلياً واقليمياً تقصد جنبلاط العودة الى الصفوف الامامية في المواجهة، لسبب إضافي قد يكون خافياً وقد يكون عبارة عن طلب تقدم به من “حزب الله” مثلاً، لفتح باب المصالحة مع الاسد وكانت الاجابة بشأنه سلبية ليفهم بعدها ان لا مكان له في المرحلة المقبلة فاتجه نحو الخط المعاكس؟

 

على المقلب الآخر يتحدث المحيطون عن ضغوط يتعرض لها البيك من قواعده الشعبية. خلال مؤتمر عين زحلتا الاخير لم يسمح لمنتقدي سياسة “حزب الله” برفع الصوت وكان جازماً في حث الجميع على التهدئة، وألقى خطاباً صبّ في جوهره على التهدئة والحفاظ على المختارة ورفضه لمنطق الحرب، لكن يبدو ان صموده بات غير ممكن في ضوء مستجدات الازمة مع السعودية وارتفاع اصوات المقربين من السعودية من حوله، الى مطالبته بضرورة اتخاذ خطوة تعزز علاقته مع السعودية وتحمي اللبنانيين العاملين على اراضيها، وقد يكون من بين هؤلاء من نقل رسالة واضحة بهذا الخصوص. ساد الانقسام بين الناصحين بمهادنة “حزب الله” وعدم الدخول في الصراع بشكل مباشر والراغبين بموقف واضح. فعلها جنبلاط وأعاد نفسه الى الواجهة بخطاب ناري تلقاه “حزب الله” من دون اي رغبة بالتعليق لا في موقف او خطاب، وهي السياسة التي ادمن على اتباعها مؤخراً تجاه رئيس الاشتراكي وربما كان هذا السلوك مثار انزعاج الاخير وسبباً من اسباب رفع اللهجة، يضاف اليه المشكلة مع عشائر خلدة التي لا يلجأ “حزب الله” اليه لحلها. واذا كان “حزب الله” اعتاد عدم المساجلة مع جنبلاط فان في بيان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان ما يختصر المشهد نيابة عن الثنائي الشيعي حيث قال: “لن نقبل بعد اليوم هذا النوع الخبيث من تحليل دم طائفة بأمها وأبيها”، ليبدو وكأن كلامه احرج رئيس مجلس النواب نبيه بري في ظرف هو من أصعب الظروف على البلد.

 

لكن لمصادر الاشتراكي تفسيرها. ترفض وضع كلام جنبلاط خارج اطار معاناة الناس التي اختنقت ولم يبق لها سوى متنفس واحد هو دول الخليج فهل نقطعه عنهم ونكتفي بباخرة او باخرتي مازوت؟ ثمة تأكيد على ان جنبلاط لم يتقصّد بقول صبرت على “حزب الله” كثيراً نيته في فتح جبهة مواجهة مع “الحزب”، وكيف له ان يفعل ذلك وهو الداعي لاقفال جبهات المواجهة وتغليب لغة الحوار؟ بل تقصّد القول ان حل الازمة بالشكل الذي دعا اليه يسهل الامر على “حزب الله” بدل ان يضع نفسه واللبنانيين في مواجهة مفتوحة. لم يتقصد المواجهة بالتأكيد وانما التنبيه من خطورة الاستمرار في المواجهة والتصادم مع الآخرين، والتي لم يعد بالمقدور تحمل تبعاتها، وفق الاشتراكي هو قول ورد من باب التأفف وليس من باب قصد فتح معركة جديدة مع “حزب الله”، بل دعوته الى الكف عن فتح الجبهات التي تضيق على البلد وأهله.