IMLebanon

الإشارة السعودية ومخاوف جنبلاط

 

حاول الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي خلال زيارته إلى بيروت أول من أمس تلمس مدى قدرة الفرقاء اللبنانيين على مخرج يتيح التفاوض بين لبنان والمملكة العربية السعودية، لكنه لم يجد توافقاً لبنانياً على ذلك رغم إعلانه أن “هناك ثقباً في الباب… والجهد الذي نبذله يمكن أن يتجه في اتجاه إيجابي…”.

 

العنصر الوحيد الإيجابي في زيارة زكي كان حصول الجامعة العربية على موافقة خليجية وسعودية مسبقة على بذل المحاولة مع السلطة اللبنانية، على رغم اقتناع القادة الخليجيين بأن “هيمنة حزب الله” على السلطة “هي السبب وراء تدهور العلاقة مع لبنان على ما سبق وأعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.

 

غادر الرجل خالي اليدين بعدما اكتشف اختلاف المقاربات اللبنانية للمخرج، إذ كرر النصيحة بأن إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي تفتح الباب على إمكان البحث في ملفات الخلاف مع الرياض وسائر العواصم الخليجية، لكنه اكتشف أن الخلافات بين الفرقاء اللبنانيين الرئيسيين تحول دون الإقدام على هذه الخطوة، التي تفتح باب الحوار والتواصل.

 

مع أن عدم ممانعة الجانب الخليجي لمبادرة الجامعة العربية إلى التحرك أو استكشاف التوسط شكل إشارة إيجابية، لم يجد الموفد العربي استعداداً مقابلاً، أو أي إشارة مماثلة، فترك انطباعاً عند بعض من التقوه بأن إبقاء الموقف المتشنج والرافض لأي مخرج على الضفة اللبنانية، ستكون له عواقب وخيمة، ما يعني ترجيح استمرار الإجراءات السعودية العقابية حيال لبنان. وما على اللبنانيين إلا أن ينتظروا للتأكد من صحة هذه الإجراءات.

 

بدأ بعض المسؤولين بتسقط أخبار الجالية اللبنانية في الدول الخليجية الأربع التي استدعت سفراءها، وطلبت من السفراء اللبنانيين مغادرة أراضيها، لمعرفة المدى الذي يمكن أن تذهب إليه هذه الإجراءات التي يتوقع البعض أن تكون متنوعة، وأن تطال لبنانيين عاملين لديها، بسبب ميولهم السياسية.

 

لم يكن عن عبث أن أطلق رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط صرخته بقوله “صبرت كثيراً على حزب الله”، داعياً إلى استقالة قرداحي كخطوة أولى نحو بحث حلول للأزمة. إطلاق جنبلاط موقفه الذي يعتبر أن الحزب خرب بيوت اللبنانيين في الخليج، يعود إلى أن المخاوف من خطوات من هذا النوع قائمة وماثلة، في وقت لا يأبه الحزب لما يلحق باللبنانيين من خسائر، تعمّق مآسيهم. وهو انطلاقاً من رؤيته لفداحة الأضرار على اللبنانيين العاملين في دول الخليج، جراء العدائية المتواصلة التي يمارسها الحزب ضدها، خرج عن نهج مهادنة “حزب الله” الذي يعتمده منذ سنوات، وعن تفادي استفزازه تحت عنوان “تنظيم الخلاف” معه للحؤول دون أي توترات مع قيادته وجمهوره. وشكل موقفه إضافة جديدة الى اتساع دائرة التململ والرفض لإقحام اللبنانيين في دفع كلفة مغامرات الحزب في اليمن وغيرها…

 

بموازاة الانسداد الكامل في أفق معالجة العناوين الأساسية التي تشل عمل الحكومة، أي مطلب “حزب الله” إقالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، ورفضه مطلب ميقاتي الذي أيده فيه الرئيس عون ومعظم الوزراء، إقالة الوزير قرداحي، وبينهما التجاذب حول التدخلات في التحقيقات في حادث الطيونة ضد حزب “القوات اللبنانية”، يسعى رئيس الحكومة إلى تحريك البحث في القضايا الرئيسة التي كان وعد اللبنانيين بإيجاد حلول لها.

 

وإذا كان ميقاتي أعلن أمام المجلس الاقتصادي الاجتماعي أول من أمس أن التفاوض مع صندوق النقد الدولي بدأ فإنه يحاول تعبئة الوقت الضائع بتحضير بعض الملفات التي تحتاج فضلاً عن إصدار مراسيم عادية، إلى قرارات في مجلس الوزراء الذي يتعذر اجتماعه للأسباب المذكورة. فهل سيؤدي ذلك إلى اعتماد صيغة الموافقة الاستثنائية بمراسيم عادية تتجاوز سلطة مجلس الوزراء، أم أن الفرقاء الذي يحولون دون التئامه، سيقبلون عندها بكسر شرطهم اتخاذ قرار في شأن القاضي البيطار؟

 

يأمل ميقاتي أثناء تعبئة الوقت الضائع لتهيئة الظروف من أجل إصدار البطاقة التمويلية، ومن أجل تلزيم بناء محطة لتوليد الكهرباء، لتحالف فرنسي (أنسالدو) ألماني (سيمنز) بالشراكة مع القطاع الخاص، ومن خزينة الدولة باستخدام 400 مليون من أصل المليار و135 مليون دولار التي حصل عليها لبنان من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد، على أن يتأمن الباقي من “هندسة” مالية جديدة تقضي برد بعض الودائع بالدولار لأصحابها بالليرة اللبنانية على سعر منصة “صيرفة”، بحيث يؤدي ذلك إلى انخفاض الاحتياطي الإلزامي، ليتمكن مصرف لبنان من التصرف بجزء منه لمصلحة ما يمكن أن تستدينه الحكومة لأجل الكهرباء.

 

هل يأمل ميقاتي أن يحضر هذه المشاريع ثم يحشر القوى السياسية التي تمنع انعقاد مجلس الوزراء، بطلب عودته إلى الاجتماع لإقرارها؟