تركت المواقف النارية التي أطلقها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أمس الأول، أكثر من إشارة في هذه الظروف الصعبة، وتعتبر نقلة نوعية بعد هدوء سياسي ومهادنة مع معظم القوى والأطراف السياسية، وتحديداً تلك التي تجمع بينهما خصومة سياسية، ولكن ما قاله جنبلاط، إنما يصبّ في إطار دوره وقراءته، وفق ما تشير أوساطه، إلى ضرورة التبصّر في هذه المرحلة حفاظاً على علاقات لبنان مع الأشقاء والأصدقاء، ولا سيما الدول الخليجية، وحفاظاً على أرزاق ووظائف اللبنانيين الذين يشكّلون العمود الفقري للإقتصاد اللبناني، وأيضاً، ذلك ما يحصّن الحياة الإجتماعية والمعيشية لأهلهم وعائلاتهم في لبنان.
أما السؤال الآخر، هل ستؤدي مواقف رئيس الإشتراكي للعودة إلى التوتر كما كانت الحال في مراحل سابقة، وتحديداً بعد حقبة العام 2005 التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما شهدته من كرّ وفرّ وخلافات وانقسامات بين المكوّنات السياسية والحزبية، والتي لا زالت تداعياتها ماثلة للعيان حتى اليوم، وهنا تضيف المصادر، بأن جنبلاط ليس في وارد العودة إلى تلك المرحلة، أو أنه في صدد الإصطفاف السياسي مع حلفاء الأمس، أو مع أي طرف آخر، مهما بلغت التعقيدات والصعوبات في هذه المرحلة المصيرية التي يجتازها لبنان.
وتتابع المصادر لافتة، إلى أن البعض بدأ يتحدّث عن عودة إلى الصراع السياسي داخل الطوائف، وأن الساحة الدرزية ستشهد بدورها تأثيرات واضحة بعد مواقف جنبلاط الأخيرة، إلا أن المعنيين والمتابعين لهذا المسار، يجزمون بأن الوضع مستقرّ والمساعي التي سبق وأن قام بها رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب مع كل من رئيس الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال إرسلان، وعلم أن مساعي وهاب لا زالت قائمة ومستمرة، وإن كان هناك بعض العقبات على صعيد إنجاز بعض المصالحات التي لا زالت عالقة، وتحتاج إلى جهود إضافية لا يزال يتابعها رئيس «التوحيد» مع المعنيين، وينقل وفق المعطيات المتأتية، أن وهاب الذي يلتقي بكبار المشايخ والعائلات شدّد أمامهم على ضرورة وحدة الصف الدرزي والوطني، بمعزل عن كل الإنقسامات السياسية والتباينات، ولكن «من غير المسموح لأي طرف أن يعمد إلى هزّ الإستقرار في الجبل الذي هو خط أحمر».
من هذا المنطلق، علم أيضاً أن الأيام القليلة المقبلة، ووفق بعض السياسيين المخضرمين، ستشهد مداً وجزراً وتصعيداً سياسياً عالي النبرة، وربما إشكالات أمنية متنقلة، وذلك ربطاً ببعض العناوين التي تضجّ بها الساحة الداخلية والخارجية، أولها الأزمة اللبنانية ـ الخليجية، والتي عمّقت الخلافات بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، إضافة إلى ملفي القضاء وأحداث عين الرمانة، وهما أيضاً من العناوين البارزة التي تشي بأنهما لا زالا بمثابة القنبلة الموقوتة في ظل التجاذبات حولهما، بينما وفي السياق عينه، فإن الأوضاع الإقتصادية المتدهورة، والتي شهدت في الأيام الماضية تسارعاً في الإنحدار، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار العملة الوطنية، كلها ساهمت بدورها بأن تعيد الناس إلى الشارع ما يشكل خطراً حقيقياً بعد ارتفاع معدّل الإعتداءات والجرائم التي تكاثرت في الآونة الأخيرة.
وأخيراً، وبالعودة إلى مواقف جنبلاط، فإنها ستشكل وفق المطلعين في هذه المرحلة منحىً جديداً، وإن لم يكن هناك أي اصطفافات أو تحالفات، بمعنى أن رئيس التقدمي قال كلاماً كبيراً، وهو الأبرز له منذ فترة طويلة، ما يؤكد أن البلد أمام موجة جديدة من الصراعات والخلافات والإنقسامات، وعليه يمكن القول وحيال هذا الواقع أن كل الإحتمالات واردة.