استرعت المواقف الأخيرة لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، باهتمام لافت، لا سيما وأن البعض اعتبره خروج عن موقعه الوسطي إلى العودة لاصطفافات سياسية جديدة، خصوصاً وأنه رفع سقف خطابه السياسي وتغريداته خلافاً لما كان يسلكه على خط ربط النزاع وتنظيم الخلافات مع الأطراف التي يستهدفها، أو ثمة خلاف بينهما حول معظم الملفات السياسية، إنما أمن الجبل واستقراره دفعه دوماً إلى التزام الهدوء والسير في تدوير الزوايا، الأمر الذي ظهر في أكثر من محطة سياسية وأمنية.
في هذا الإطار، ينقل وفق معلومات مؤكدة، بأن الرئيس الإشتراكي، لا يرغب في أي اصطفافات أو تحالفات جديدة، أو أنه في صدد العودة إلى صيغة 14 آذار كما يجري التسريب في بعض الإعلام، إنما هناك تحالف إنتخابي بدأ ينسج خيوطه بداية مع «القوات اللبنانية» والتحالف معهم بات محسوماً، والأمر عينه ينسحب على «تيار المستقبل»، ومن هذا المنطلق، أوفد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور إلى أبو ظبي، حيث التقوا بالرئيس سعد الحريري، وكان اللقاء ودّياً وإيجابياً، إذ يرى جنبلاط أنه لا مناص إلا بالتحالف مع «المستقبل»، وبالتالي، استمرار الحريري في السياسة، وهذا ما شدّد عليه نجله خلال اللقاء به، ويتوقّع أن يحصل لقاء قريب في بيروت فور عودة الحريري لمتابعة البحث سياسياً وانتخابياً.
أما عن تأثير مواقف جنبلاط الأخيرة، وتحالفاته الإنتخابية على الواقع الدرزي الراهن، خصوصاً وأن رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب، أكد على التحالف مع كل من «التيار الوطني الحر» والنائب طلال إرسلان، هنا تفصل مصادر جنبلاط بين التحالفات السياسية والإنتخابية، وبالتالي، السير بعملية إعادة ترتيب البيت الدرزي، إذ، تؤكد أوساط مقرّبة من وهاب، بأنه، وبمعزل عن التباينات السياسية مع جنبلاط، فهناك تمايز بين التحالف الإنتخابي والوضع الدرزي الذي هو خط أحمر على صعيد الأمن والإستقرار والتلاقي بين سائر العائلات الدرزية، وفي كافة القرى وبلدات الجبل، ومهما كانت الإنتماءات السياسية، لأن وحدة صف طائفة الموحّدين الدروز من المسلّمات والثوابت، فلكل موقفه وسياساته، إنما أمن الجبل واستقراره لا يمكن المسّ به.
ويبقى، أن هناك حسما للخيارات الإنتخابية بدأت معالمها تظهر في الجبل من قبل جنبلاط، والأمر نفسه من القيادات الأخرى كوهاب و إرسلان، من خلال تحالفهما معالتيار الوطني الحر وحزب الله، أما على الخط السياسي، فإن جنبلاط يسعى إلى حوار بين الأفرقاء السياسيين للتوافق على القضايا الإستراتيجية، وتجنّب أي اهتزازات أمنية بمعنى تنظيم الخلاف، ما يؤكد بأنه ليس في وارد الدخول في أي اصطفافات سياسية مع حلفاء الأمس، بل هناك خيارات إنتخابية لا أكثر، لأن ثمة خصوصيات وظروف محيطة بأمن واستقرار الجبل لا يمكن التلاعب بها في هذه الظروف الإستثنائية التي تعصف بالبلد والمنطقة، ما يحتّم عدم التصعيد السياسي والدخول في مغامرات جديدة.
من هذا المنطلق، فإن جنبلاط يدرك تمام الإدراك صعوبة المرحلة، وثمة هواجـــس وقلق لديه من خطورة الأيام القادمة، وهذا ما يفضي به أمام المقرّبين منه، ولهذه الغاية لن يقدم على أي خطوات واصطفافات قد لا تتماشى مع هذه المخاوف.