لا شك في أنّ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أدرك خطورة عزوف الحريري عن الترشح منذ اللحظة الأولى لإعلان الحريري عن قراره بعدم الترشح للانتخابات النيابية التي ستجرى في 15 أيار مطالباً جميع أعضاء وجمهور «تيار المستقبل» بعدم الترشح أيضاً.
في البداية كانت الأسئلة والتساؤلات كثيرة: لماذا أعلن الرئيس الحريري عزوفه؟ فكان جنبلاط من أوائل الزعماء الذين أدركوا انعكاس هذا العزوف على مصالحه الانتخابية. لسنا هنا لنستعرض محاولات الزعماء والمبعوثين الذين أرسلهم الزعيم الدرزي محملين برسائل للرئيس الحريري محاولاً أن يغيّر موقفه، ولكن جواب الرئيس الحريري كان قاطعاً: إنه لا يريد أن يشارك مع هذه المجموعة، وأنه عانى الأمرين من مجموعة تتمسّك بالحكومة من أجل مصالحها الذاتية، ضاربة عرض الحائط كل المحاولات التي بذلها انطلاقاً من «سيدر» حيث أُعْلِنَ عن 11 مليار دولار دعماً للبنان ضمن مشاريع إنتاجية ومدرسية، ولكن عبثاً فإنّ هناك دائماً من يعرقل وعلى رأسهم الصهر العزيز، والمصيبة أنّ فخامة الرئيس لا يرى «قبرص» إلاّ من خلال صهره، والمعاناة التي عاناها الحريري في تشكيل حكومة خلال سنة مع عدة محاولات وتقديم أسماء الوزراء والوزارات، ولكن لا حياة لمن تنادي… هذه المعاناة هي خير شاهد على امتعاضه الشديد.
نبدأ في الحلقة الأولى بتأثير عزوف الرئيس الحريري عن الانتخابات على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
لم يكن أقرب المقرّبين من الرئيس الحريري على دراية بقراره الانسحاب الموقت من الحياة السياسية اللبنانية، وأخذ استراحة المراقب حتى تنجلي الصورة للوضع المحلي والدولي. ولا شك أن هذا القرار وقع كالصاعقة على الخصوم قبل الأصدقاء، وحين أفاقوا من الصدمة وجدوا ان انعكاس هذا القرار عليهم يتمثل بخسائر في مقاعدهم النيابية في أكثر من منطقة ودائرة انتخابية. ومما لا شك فيه ان أول المتضررين هو الوزير وليد جنبلاط في دوائره الانتخابية التي يتشارك فيها مع الصوت السنّي وبخاصة في بيروت والشوف – عاليه والبقاع الغربي.
ففي بيروت كانت الأصوات السنية التابعة لـ«تيار المستقبل» هي الرافعة لإيصال مرشح الحزب التقدمي الاشتراكي الى الندوة النيابية: من غازي العريضي الى فيصل الصايغ. ومن المعروف ان المرشح الدرزي في دائرة بيروت الثانية يصل الى الندوة النيابية بأصوات لا تتعدّى 2000 صوت، ويعتمد في نجاحه على مجموع أصوات اللائحة والحواصل الانتخابية، ومن هنا فإنّ غياب الصوت السنّي، وغياب لائحة «المستقبل» سينعكسان سلباً على المرشح فيصل الصايغ ويعطي الأفضلية لمرشح الحزب الديمقراطي أي مرشح الامير طلال ارسلان نسيب الجوهري الذي سيعتمد على الحاصل الانتخابي الذي يؤمنه الثنائي الشيعي.
أمّا في الشوف، فمن المعروف ان السنّة يشكلون ثلث أصوات المقترعين في هذه الدائرة، أي حوالى 65 ألف صوت يقترع منهم حوالى 52٪ وكانت هذه الأصوات تاريخياً هي الرافعة لإنجاح مرشحي الحزب التقدّمي الاشتراكي وهي التي ترفع الحاصل الانتخابي للائحة. اما في الوضع الحالي وانخفاض المشاركة السنية وغياب «تيار المستقبل» عن الترشح والاقتراع فستنخفض نسبة التصويت الى ما دون 30٪ حسب الاحصاءات المعلنة. ونتيجة لذلك فإنّ لائحة «الاشتراكي» ستخسر على الاقل حاصلاً أو أكثر أي خسارة نائب أو اثنين.
والمعركة الانتخابية في الشوف – عاليه ستكون هي الأقسى، في وجه جنبلاط نتيجة غياب حليف أساسي له، هو «تيار المستقبل» أولاً والائتلاف الحاصل في وجهه في اللائحة المقابلة التي تجمع وئام وهّاب وطلال ارسلان و«حزب الله» وجبران باسيل وناجي بستاني والحزب القومي وجمعية المشاريع في إقليم الخروب، وبالتالي فإن جنبلاط اضطر للتخلي عن المرشح المسيحي في لائحته والتركيز على إعطاء الأصوات التفضيلية للمرشح مروان حماده في محاولة لإنجاحه في وجه المرشح وئام وهّاب، علماً ان وهّاب حصل على أصوات تفضيلية أعلى من حماده في انتخابات 2018، لكنه خسر بسبب الحاصل على 180 صوتاً وكان ترشيحه يومذاك في لائحة في وجه جميع الاحزاب الأخرى.
أما في دائرة البقاع الغربي – راشيا فإنّ الصوت السنّي وخاصة أصوات «تيار المستقبل» هي التي أمّنت نجاح النائب وائل ابو فاعور بدعمه بحوالى 4000 صوت في انتخابات 2018 والتي من المتوقع خسارتها في انتخابات 2022 مما يعطي فرصة للمرشح طارق الداوود للمنافسة الجدية وخاصة إذا تم رَفْدَهُ بالأصوات الفائضة للمرشح حسن مراد وللمرشح الشيعي، علماً بأنّ للائحة هؤلاء ثلاثة حواصل أو أكثر تمكّنهم من ايصال 3 نواب والعمل على إنجاح الرابع، وبالنتيجة فإنّ انعكاس غياب «تيار المستقبل» لن يكون في الدوائر الانتخابية التي ذكرناها أعلاه ولكن انعكاسها سيكون في جميع الدوائر الانتخابية الـ15. وهذا الغياب سيكون سبباً مباشراً في خسارة عدد من المرشحين الذين وصلوا سابقاً الى الندوة النيابية بأصوات «التيار».
لن نبحث هنا في صوابية قرار الرئيس الحريري أو عدم صوابيته، ولكن من المؤكد ان غيابه سيكون له انعكاس سلبي على عدد كبير من المرشحين وفي اكثر الدوائر الانتخابية.
أمّا من كان السبب في إحراج الرئيس الحريري وإخراجه؟ فإنّ السؤال سيبقى من دون جواب.