لم يكثّف وليد جنبلاط، في خطابه السبت الماضي، فقط، كل القلق الذي يشعر به، فيما «العمر قد شارف على شتائه»، بل أيضاً كل التناقضات. صحيح أن الثابت الوحيد في الرجل أنه دائم التغيّر، بين قول الشيء ونقيضه، غير أنه قلّما توافرت لأحد «اللياقة» التي تمكّنه من فعل ذلك كله في خطاب واحد لم يطل أكثر من 11 دقيقة و11 ثانية، أنهاها بعبارة «المبادئ مبادئ»!
في يوم صمت انتخابي أقام مهرجاناً لشدّ العصب الطائفي، بين جماهير ساهمت مؤسسة العرفان التوحيدية في تأمين حضورهم عبر رسالة تهديد للطلاب «من دون استثناء» بأن «التخلف عن الحضور ستترتّب عليه إجراءات إدارية». ومن أمام مبنى المؤسسة في السمقانية، حيث تزيّن جدارية متوّجة بعلم الجمهورية الإسلامية في إيران التي موّلت بناء الثانوية التابعة للمؤسسة، هاجم جنبلاط «محور الممانعة، محور التدمير ومحور التزوير». وفي مهرجان انتخابي للائحة التي تضمّ حزبه مع القوات اللبنانية، استذكر زعيم المختارة «كل موقعة في حرب الجبل»، وكلاسيكيات الإدارة المدنية وجيش التحرير الشعبي والحركة الوطنية «والمناضلين الذين حرّروا طريق بيروت والجنوب، مروراً بالإقليم والمقدّسات في الشحّار» من… حزب القوات اللبنانية نفسه، وبمساعدة السوريين أنفسهم.
بدا جنبلاط مُقِرّاً مسبقاً بأنه سيخرج من المعركة «خاسراً» حتى وإن حافظ على كل مقاعده النيابية
نبش «البيك» في كلمته القصيرة كل التاريخ النضالي، من ثورة 1958 إلى إسقاط اتفاق 17 أيار، ودقّ نفير «اغتيال جديد» عبر صناديق الاقتراع، وهو في كل ذلك يخترع حرباً وجودية لم يشنّها عليه أحد. استنفر العمائم البيض في معركة دونكيشوتية يحارب فيها مروان حمادة طواحين حزب الله القادم لـ«ابتلاع» الشوف. فيما لم يستطع أن يهضم بعد «خيانة» سعد الحريري و«التعليمة» المستقبلية السارية اليوم في قرى الإقليم، الذي لطالما كان حديقة خلفية للمختارة، بأنّ كل صوت يصبّ لمصلحة القوات وجنبلاط هو صوت ضد سعد الحريري. تماماً كما لا يمكنه أن يهضم اضطراره إلى التحالف مع «الجنس العاطل» والخضوع لشروطه في تشكيل اللوائح.
ضعيفاً جداً ومتعباً وشديد التوتر كان «البيك»، كما بدا حائراً ومحيّراً: هل نقل القيادة إلى تيمور أم لم يفعل؟ وهل سيكون الأخير على قدر المسؤولية في المرحلة التي ستفرزها الانتخابات وتطورات المنطقة والعالم بعدها؟وهل يُترك للوريث تحديد الخيار الدرزي أم أن المورّث ماضٍ، عبر دعوة وليد البخاري إلى المهرجان، في فرض خيار وضع الدروز في غير موقعهم التقليدي من الصراع؟ أسئلة كثيرة لم يجب عنها الزعيم الاشتراكي الذي بدا مُقِرّاً مسبقاً بأنه سيخرج من المعركة «خاسراً»، حتى وإن حافظ على كل مقاعده النيابية. إذ يدرك جيداً أن شيئاً ما في البنية الاجتماعية للدروز يتغيّر، وأن من «حسنات» الانهيار الاقتصادي والهجرة القسرية التحرّر من أسر الولاء المطلق. ليس تفصيلاً أن يكون «البيك» مضطراً إلى إعطاء جردة حساب بما قدّمه وعائلته، ولا أن يلجأ إلى فيء عمائم لم يعرف عنه ودّاً لها، ولا أن تكون رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين مضطرة إلى اعتمار منديل الشيخات الموحّدات.