نشط الحراك السياسي قبل الدخول بالمهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في حين يتوقّع البعض أن تكون المعركة شبيهة بانتخابات 1970 إذا لم يستعمل أحد الأفرقاء لعبة النصاب.
تبدو لعبة شدّ الحبال في أوجها، فعدا عن احتساب الأرقام وأعداد النواب، فإن الأساس يبقى كيف تسير التسوية السياسية الإقليمية والدولية، وماذا يحصل في المنطقة والكرة الأرضية بأجمعها.
ومن هذه الزاوية قرأ رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط كل هذه المتغيرات، وقام بانسحاب تكتيكي من معسكر المعارضة الشرسة إلى معسكر الوسط ليستكمل قراءة المشهد الإقليمي العام، وعندها إما يعود إلى المعارضة مع صعوبة هذا الإحتمال، أو يتمركز في الوسط ويُبرم صفقة مع «حزب الله» والمحور الممانع.
ويأتي لقاء جنبلاط المنتظر مع رئيس لجنة التنسيق والإرتباط في «حزب الله» وفيق صفا كبداية للتكويعة الجنبلاطية المرتقبة، ما يعني خسارة المعارضة لعبة النصف زائداً واحداً في الإستحقاق الرئاسي وقوة دفع أساسية متمثلة بالحزب «الإشتراكي».
وفي السياق، فإن مَن يراقب حركة جنبلاط الدائمة يعلم جيداً أنه يركب بمركب التسويات، فهو ليس قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يدفع ثمن مبادئه ويتعالى عن السلطة، وليس الرئيس سعد الحريري الذي يُخطئ دائماً في الحسابات السياسية، إنه تاجر سياسي محنّك.
واللافت أيضاً أن ما بعد الإنتخابات بات لعنة على الفريق السيادي والمعارض من جهة خسارتهم جنبلاط، فبعد إنتخابات 2009، فاز فريق 14 آذار الذي شكّل جنبلاط أحد أهم أعمدته بالأغلبية البرلمانية، لكن جنبلاط إستدار وذهب إلى دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد وغطّى إنقلاب القمصان السود على حكومة الحريري في كانون الثاني 2011 وشارك في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي إعتبرت حكومة الفريق الواحد الموالي لـ»الحزب».
وها هي إنتخابات 2022 تحصل ويفوز فريق المعارضة والتغيير بالأغلبية البرلمانية، لكن جنبلاط القارئ الجيد في السياسة رأى تشرذم هذا الفريق وعدم قدرته على المواجهة، كذلك شاهد بأم العين مدى ثبات محور «الممانعة» في سيناريو شبيه بما بعد إنتخابات 2009، لذلك قرّر القيام بانقلاب إستكشافي ليرى ماذا سيحصل من الآن حتى الخريف.
وإذا كان جنبلاط يبني سياسته على حماية وجوده وطائفته، إلا أن ما يحصل من استدارة جنبلاطية هدفها حالياً ركوب موجة التسوية الإيرانية – الأميركية المرتقبة والتي قد تعطي «حزب الله» الذي يُعدّ الطرف الأقوى فرصة حكم لبنان مجدداً، في حين أن جنبلاط يرى البرودة السعودية تجاه لبنان وعدم حماسة أميركية واضحة للمواجهة في لبنان لأن الأساس بالنسبة إلى واشنطن هو إبقاء «الستاتيكو» القائم والإسراع بعملية ترسيم الحدود ومواجهة كلّ من المدّ الروسي والصيني وليس الايراني.
لم يحمل جنبلاط بعد راية «الممانعة» لكنه سيحملها إذا رأى الأمور ذاهبة في هذا الإتجاه، فالرجل يتعامل مع المبادئ «على القطعة» وليس مسبعداً أن يسير بمرشّح «حزب الله» في الإنتخابات الرئاسية… إذا نجحت لقاءاته مع «الحزب».