قبل كلّ انتخابات نيابيّة للنّائب السّابق وليد جنبلاط “لفّة” ومواقف تفرض نفسها بفعل حاجته الانتخابيّة لأصوات الطوائف الأخرى، وبعد كلّ إنتخابات نيابيّة لوليد جنبلاط “تكويعة” يُلقي فيها تحالفاته الانتخابيّة في سلّة مصالحه الآنيّة، ونستغرب أنّ هناك من يزال يتساءل ويتوقّف أمام إطلالات جنبلاط وتحليلات تصريحاته وتعليقاته، من المدهش أنّه لا يزال هناك من لم يتعلّم من دروس جنبلاط ومصالحه الإنتخابيّة وغير الإنتخابيّة الإستغلاليّة والانتهازيّة غالباً!
يدرك وليد بيك جنبلاط أنّه خسر موقعه السياسي الممتاز بوصفه “بيضة القبّان” إذ لم يعد هناك في المعادلة اللبنانيّة السياسيّة لا قبّان ولا أوزان ولا بيضة ولا من يبيضون، ويدرك أيضاً أنّ وريثه السياسي المفترض “بعد بدّو فتّ خبز كتير” وأنّه لا يتحلّى بـ”فهلويّات” أبيه ولا بـ”بهلوانيّاته”، ولا يتقن حياكة التّحالفات ولا نسج السياسات لأنّ دوره كوريث فرض عليه، لذا يضطرّ جنبلاط الأب أن يعود إلى السّاحة برغم أنفه، الرّجل يبحث عن لحظة تعيد إليه شيئاً من موقعه الذي كان، خصوصاً وأن “لواقطه الهوائيّة” ضائعة في رصد رياح المنطقة الرّاكدة كثيراً هذه الأيّام في انتظار المفاوضات النّوويّة الإيرانيّة ـ الأميركيّة، في وقت يستشعر فيه الجميع خطورة تهديدات “كاريش وما بعد كاريش” التي يطلقها أمين عام حزب الله حسن نصرالله في توقيت لبناني لم يتّضح فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود في لعبة انتخابات الرّئاسة التي لا تزال شديدة الغموض حتى الآن، جنبلاط باحثٌ عن مكان ما في صورة الطبخة الرّئاسيّة الباردة حتى الآن باعتبار أنّ اللاعب الأكبر حزب الله بصفته فارض الرؤساء ومعطّل الانتخابات لا يزال يلتزم الصّمت حتى الآن وأغلب الظنّ أنّ اجتماع كليمنصو لن يعدو كونه جسّ نبض جنبلاطي وهمسٌ باسم النائب سليمان فرنجيّة باعتبار ما كان بينهما كمتحالفيْن في “النطّ على حبل الخطّ”!
بُعيد انتخابات العام 2009 صدمت المواقف الجنبلاطيّة إعلان التوبة “البوريفاجيّة” يوم “استيقظ” صاحبها في غفلة من الزمن ينتابه الحنين لدمشق وياسمين الشّام قائلاً للبنانيين بعد كلّ القتل والتّرهيب الذي تعرّضوا له منذ العام 2005 أنّ “لبنان ليس أولاً” وبعد توبته غير النّصوحة المفاجئة انقلب سريعاً على بشّار الأسد بعدما جرجره خوفه من 7 أيار العام 2008 إلى دمشق قائلاً لسعد الحريري “ما تواخذني.. بيّك مش أغلى من بيّي”.. ليس هناك مبادىء ولا قواعد ولا ثوابت للسياسة الجنبلاطيّة بل مصلحة آنيّة يضطّر معها إلى التشقلب والتقلّب والتقرّب والتهرّب، منذ انتخابات العام 2005 هذا جنبلاط وهذه انقلاباته، لذا لا قيمة لأي كلام سياسي يصدر عنه لأنّه لن يلبث أن ينقلب عليه وعلى نفسه قبل خصومه أو حلفائه!
في أوقات ما عاشها لبنان منذ انهيارات العام 2005 اعتقدنا كما كثرٌ من اللبنانيّين أنّه في المواقف الكبرى امتلك وليد جنبلاط من الحكمة ما أبعد أعاصير كثيرة عن طريق لبنان، ولطالما وجدنا أنّه من الضروري أن نتفهم أنه وليد جنبلاط سياسي ذو هواجس كثيرة، ولطالما اعتقدنا أنّه بارع حذرٌ يلتقط نذر التحولات والتبدلات قبل أن تهبّ في الآفاق، لاحقاً ومنذ 7 أيار وما جرّه على البلاد ومنذ ما ارتكبه بعيد إعلان نتائج انتخابات العام 2009 أدركنا أنّ الرّجل تحكمه مخاوفه لا هواجسه ومصالحه الشخصيّة الآنيّة لا راداراته السياسيّة، من المؤسف أن نجد اليوم وليد جنبلاط الذي عاش في السنوات الماضية فكرة أنّه بيضة القبّان، أنّه لم يعد سياسيّاً فاعلاً وأنّه يبحث عن دور ما يتوسّله من اجتماع مع معاون أمين عام حزب الله علّ وعسى يمنح مكاناً ولو صغيراً على هامش عمليّة البحث عن رئيس لهذه الجمهوريّة التّعيسة!