لهذه الأسباب يعود للحوار مع حزب الله الذي لن يُصادمه
يمكن اطلاق وصف على رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بـ «الثابت والمتحول» في السياسة، لانه عند كل موقف له، فيه تبديل عن موقف سابق، فتثار ضجة سياسية واسئلة من اصحاب القرار، عما قصده في التحول الذي نحن به، في اتجاه لما غير ما هو عليه في موقعه السياسي.
لذلك، كان يُطرح على جنبلاط نعت «السياسي المتحرك»، الذي يدور من موقف الى آخر، في وقت يرى هو انه من مدرسة «الواقعية السياسية» وقراءة التطورات سواء الداخلية منها او الاقليمية والدولية، التي تفرض عليه تغيير مواقفه، لان في السياسة تدخل المصالح، اكثر ما تعمل الاخلاق، التي عندما تغيب تحل الكوارث على الامم والشعوب.
وجنبلاط صاحب نهج الحوار والمصالحة، ويقفز احياناً على احداث حصلت، ومنها مثلاً اغتيال والده كمال جنبلاط، فذهب الى دمشق بعد ذكرى اربعين استشهاده، ومدّ يد التعاون مع الرئيس السوري حافظ الاسد، واقام مصالحة معه، لكن عدم النسيان ملازم له، فهو قال بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، عن النظام السوري، انه «سامح من قتل والده، لكنه لم ينس»، وهذه مسألة من ضمن الاداء السياسي لجنبلاط الذي يقرأ التاريخ ويتذكره دائماً، لكنه لا يهمل احداثه، اذ ان حنين الجنبلاطية السياسية، هو دائماً الى «الدرزية السياسية» التي حكمت لبنان في عهد الامير فخر الدين المعني الثاني، وامتد نفوذه الى حلب.
فالتاريخ يسكن آل جنبلاط، وهجرته صعبة جداً، حيث التذكير الدائم من قبلهم، بالمختارة وما ترمز اليه عند شريحة واسعة من المؤيدين لها، وهذا ما يستخدمه وليد جنبلاط في الازمات، وعندما يرى حصاراً سياسياً او عسكرياً عليه، يطرح الصوت «المختارة في خطر».
هذه المقدمة، تؤشر الى ان لا سياسة ثابتة عند آل جنبلاط، وهي تتكيف مع الظروف المحيطة في المكان والزمان، وهذا ما يجب في ضوئه قراءة مواقف رئيس «الاشتراكي» الاخيرة، وتحديداً ما اعلنه عن حزب الله، ودعوته الى تجديد الحوار معه، وهذا ما حصل بعد احداث الشويفات في ايار عام 2008، على اثر ما جرى في بيروت في 7 ايار من العام نفسه، ومواقف جنبلاط التصعيدية من سلاح الاشارة (الاتصالات) في الحزب ودعوته الى نزعه، وهو اعترف بخطأ تقديره، وفق ما تشير مصادر متابعة لما جرى في تلك المرحلة.
ويتميز جنبلاط، بانه الاجرأ من بين السياسيين باعترافه باخطائه، كما في تقديراته، وكذلك في تحالفاته، فهو لا يتوانى عن التراجع، وهذا ما شكل له نقاطا ايجابية واخرى سلبية في سلوكه السياسي، حيث المتحول عنده اكثر من الثابت المرتبط بموقفه الداعم للمسألة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، ومؤيد «لعروبة حضارية»، كما يصفها.
اما عن المستجد في غزله مع حزب الله، فهو عبّر عن ذلك في حديثه التلفزيوني، عندما اشار الى ان اميركا تقيم حواراً غير مباشر مع ايران حول برنامجها النووي الذي اتفقت معها حوله مع الدول الخمس، وعلق العمل بالاتفاق مع الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، ليستأنف مع الرئيس الديموقراطي جو بايدن، والذي اقره الرئيس الاسبق باراك اوباما، اذ ان احتمال الوصول الى تفاهم جديد وارد، فلماذا الحوار الاميركي ـ الايراني، وليس «الاشتراكي» ـ حزب الله، والذي تقيمه السعودية مع ايران عبر العراق، وتقدم اشواطاً، كما غيرها من دول الخليج.
لهذه الاسباب يرى جنبلاط ان لا مفر من الحوار مع حزب الله، واستمرار «ربط النزاع» معه، وهو يملك حجة الحوار الاميركي ـ الايراني، والسعودي ـ الايراني، وهذه اشارة جنبلاطية، بان ليس لديه استعداد للصدام مع حزب الله، وهو مكون اساسي في لبنان لا يمكن اغفاله، حيث بالحوار وليس بالتعبئة ضده، يتم الحفاظ على الاستقرار في لبنان، الذي هو الشغل الشاغل لجنبلاط، وفق مصادره، اذ هو يخشى ان يضيع لبنان في صراع المصالح وحروب الامم، وهي كثيرة في العالم.
فالمواقف الايجابية لجنبلاط تجاه حزب الله بدأت قبل فترة، فايدّ تحريك المسيّرات فوق حقل «كاريش»، وتحدث عن الاعتداءات الاسرائيلية، حيث قرأت قيادة المقاومة، مواقفه بكثير من الارتياح، واكدت مصادرها انها لم «تشيطن» جنبلاط مرة، بل كان هو السبّاق الى الهجوم والانتقاد واطلاق الاتهامات على حزب الله الذي كان حليفاً لجنبلاط الذي يفهم حزب الله ظروف مواقفه السلبية احياناً، لكن خشيته كانت من ان يتحول الى مشروع ضده.
والحوار الذي لم ينقطع بين «الاشتراكي» وحزب الله، سيعود من جديد، ومن نقطة البحث بهدوء ما لم يطبق حول الاستراتيجية الدفاعية، ودعم الاستقرار، والانتقال الدستوري لرئاسة الجمهورية.