مفاجئةٌ كانت مواقف رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط الأخيرة، أقلّه على صعيد من يدور في فلك 14 آذار. لم ينتظر أشدّ المتشائمين مواقف تقرّب زعيم المختارة من الضاحية الجنوبية وفريق 8 آذار.
منذ ما قبل الإنتخابات أوحى جنبلاط بالعكس تمامًا، متحدّثًا عن رغبة «حزب الله» بمحاصرته ومهاجمته وتطويق زعامته التي يسعى بكل ما أوتي من قوة لتوريثها لنجله تيمور.
خاسرون كثيرون ضربت مواقف جنبلاط حساباتهم. لقاء النواب المعارضين يأتي في الدرجة الأولى، حيث شهد الأسبوع الماضي تواصلًا مكثّفًا بين مجموعة منهم وأحد زملائهم في كتلة «اللقاء الديموقراطي». فحوى الاتصالات عكست مساعي جدّية لمحاولة إقناع قيادتهم بالانضمام إلى اللقاء المعارض. في الأجواء، يعلم الجميع أن ليس هناك من هدفٍ عام للقاء سوى تحضير جبهة أكبر تكون لها كلمة الفصل في انتخابات الرئاسة. جذب «اللقاء الديموقراطي» ومعه النواب الذين يدورون في فلك تيار «المستقبل» كان الهدف في المرحلة الأولى، ليكون دخول «القوات اللبنانية» أو التحالف معها على قاعدة «تحالف الضرورة» هو خطوة لاحقة تعيد إحياء 14 آذار بأكثرية جديدة مجدداً. رهان هؤلاء كان على جنبلاط الذي تختلف حساباته في انتخابات رئاسة المجلس النيابي عن رئاسة الجمهورية، وهذا ما كان واقعًا، لتكون المفاجأة أنّ تقاربه مع «حزب الله» كان قبل شهر من احتمال بدء انعقاد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، «فهل سيبحث مع «حزب الله» في أزمة المياه والكهرباء وأموال المودعين؟»، يتساءل مصدر من داخل اللقاء المعارض مستغربًا.
في الدرجة الثانية تأتي «القوات اللبنانية» المبتهجة بتشكّل لقاء النواب المعارضين، والتي تسعى للانضمام إليه. المصدر نفسه يؤكّد أنّ «القوات» راهنت فعليًّا على إيجاد مساحة مشتركة مع «الاشتراكي» في اللقاء، الأمر الذي قد يوصل في لحظة ما إلى الاتفاق على تبنّي ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للرئاسة. ورغم أنّ أجواء «القوات» تقلّل من شأن لقاء جنبلاط و«حزب الله»، إلّا أنّ من الواضح أنّ الأمر لم يكن في الحسبان بتاتًا. فمخطّط «القوات» أُجهض مرتين، الأولى حين خرج جنبلاط بتصريحه لوسيلة اعلام أردنية، والثانية حين لمست «القوات» أنّ بين النواب المعارضين من يستعد فعليًا للترشح ويمانع تبنّي ترشيح جعجع!
وبعيدًا من صدمة المعارضين و«القوات»، لا يمكن اعتبار أنّ كلام جنبلاط رماه في حضن «حزب الله»، بل أنّ رئيس «الحزب الإشتراكي» يريد تثبيت تمايزه في الوسط، وعدم الاحتراق في أي محور عند اندلاع أي مواجهة سياسية كانت أم عسكرية، وهو يعلم تمامًا أنّ مسألة الغاز قد تذهب بالبلاد نحو حالة مختلفة، وأنّ توتير الأجواء سياسيًا لا بدّ له من أن ينسحب على الناس، وهنا الخطورة.
واقعية جنبلاط هذه تطاول في طيّاتها أيضًا الملفات الأساسية كالملف الرئاسي. بالطبع لن يحمل تقاربه مع «حزب الله» أي تبنٍّ لمرشح رئاسي للحزب، ولكن وجوده على مسافة «آمنة» من الجميع، يمكنّه، بالتكافل والتضامن مع الرئيس نبيه بري، وبالتنسيق مع الحزب، من إخراج المشهد بأهدأ طريقة ممكنة، ما يمنع جرّ البلاد نحو مرحلة الـ2005، التي اصطف فيها فريق 8 آذار في مواجهة 14 آذار، ما أعاد الشرخ الذي غاب منذ الحرب الأهلية.
يعتقد المراهنون السابقون على جنبلاط، أنّ شبه استدارته هذه أجهضت حلم جعجع بالرئاسة، ومعه أحلام بعض المعارضين من ضعاف الحظوظ والآمال. ولكن في مشهد أشمل، تمكّن جنبلاط في تصريحه الأخير من إجهاض إعادة ولادة فريق 14 آذار، الذي كان بلا شك سيولّد تكتّلًا سياسيًا مواجهًا، يعيد البلاد نحو حالة تعطيل لا يحملها الناس في ظلّ أزمة اقتصادية هي الأقسى في تاريخ لبنان. وإلى حين استدارة أخرى، سيحمل الاستحقاق الرئاسي المقبل بصمة جنبلاط في تحديد كثير من مشاهده.