Site icon IMLebanon

مواقف جنبلاط تحت المجهر

 

مواقف مهمة أطلقها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، من انتقاده الدور الإيراني وتحوّل لبنان “منصّة صاروخية” لطهران، إلى الطلب من الرئيس المكلّف سعد الحريري الاعتذار من اجل ان يحكم الفريق الآخر منفرداً، خصوصاً انّه يمسك بكل مفاصل الدولة والسلطة، إلى ملاقاته ضمن “تركيبة ما”، لم تتضح معالمها من كلام زعيم المختارة، ما اذا كانت إنشاء جبهة معارِضة في مواجهة المشروع الإيراني، أو مجرد لقاء يجمعه مع تيار”المستقبل” والقوى السياسية الأخرى بحسب تعبيره، وهو ما شكّل علامة استفهام لدى القوى السياسية، التي لم تلاق جنبلاط بأي موقف رسمي علني.

كان جنبلاط من المشاركين في تكليف الحريري تشكيل الحكومة، مع فريق الأكثرية الحاكمة الذي يمتعض منه جنبلاط اليوم، والذي يدور في فلك إيران، فيما كانت “القوات اللبنانية” الفريق الوحيد في المعارضة الذي أخذ موقفاً مقاطعاً منذ 2 آذار 2019، ورفض الدخول في لعبة التكليف لأي رئيس حكومة، أكان لحسان دياب أو مصطفى اديب، على الرغم من طلب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ذلك شخصياً من الدكتور سمير جعجع، أو الحريري، ليس لأمر ضدّ هؤلاء، إنّما كموقف رافض ضدّ ما تسمّيها “القوات” “الأكثرية الحاكمة”، مشدّدة على أنّ الخيار الأفضل لهذه المرحلة في ظلّ هيمنة الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحرّ”، هو الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، وليس المشاركة في تشكيل حكومة مع الأكثرية الحاكمة، لا يمكن ان تؤدي إلى نتائج عملية.

“القوات” إذًا، استبقت موقف جنبلاط في الأمس القريب، وهي دعت ولا تزال المختارة و”بيت الوسط” إلى تقديم استقالات جماعية من مجلس النواب لسحب الميثاقية عنه، والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، في ظلّ التماس نيّة لدى الفريق الحاكم لتأجيل الانتخابات. من هنا، لماذا لم يكن جنبلاط واضحاً في ما يسعى إليه؟ وماذا يريد فعلاً من وراء مواقفه التصعيدية؟ وهل يمكن المراهنة على إنشاء تجمّع جديد تنضوي تحت سقفه ما كان يُسمّى القوى السيادية لمواجهة المشروع الايراني في لبنان؟

أوساط سياسية تصف مواقف جنبلاط بأنّها “مهمة”، وتؤسّس لوضعية جديدة “في حال” ذهب جنبلاط الى خطوات عملية إضافية تجسّد الموقف السياسي الذي عبّر عنه، لكنها تبدي في الوقت نفسه حذراً وخشية من أن يكون الهدف من هذه المواقف هو رفع السقف السياسي لتحسين شروط مفاوضاته الحكومية، خصوصاً أنّ ثمة ما أزعج جنبلاط في الموضوع الحكومي، العامل الأول، دخول النائب طلال ارسلان على الخط وانتزاعه وعداً من رئيس الجمهورية بتوسيع الحكومة من 18 إلى 20 وزيراً لتضمّ دُرزيين، أحدهما جنبلاطي والآخر ارسلاني. والثاني، الحصّة الوزارية التي أُعطيت لجنبلاط، أي وزارتي الخارجية والزراعة، لم تكن على المستوى المطلوب، خصوصاً ان لا اهمية لـ”الخارجية” في هذه المرحلة، في ظلّ انقطاع علاقات لبنان الدولية والعربية، يُضاف إلى هذين العاملين، عدم استساغة جنبلاط الأسماء التي طُرحت لتولّي الحقائب الدرزية. لذا، تقول الأوساط، إنّه “انطلاقاً من هذه الاعتبارات هناك خشية من ان تكون هذه المواقف التصعيدية هي لدفع “حزب الله” الى التدخّل لدى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، من أجل مراعاة وضعية جنبلاط وتحسين موقعه والموافقة على شروطه، تفادياً لذهابه بعيداً في المواجهة.

لذلك، تشدّد الأوساط على أنّ “المطلوب أن يحافظ جنبلاط على هذا الموقف الذي اتخذه، وأن يذهب إلى الأمام. وهذا، يتطلّب تنسيقاً ولقاءات مع القوى السياسية المعارِضة وليس فقط مع الحريري. فلماذا على سبيل المثال، لم يأت جنبلاط على ذكر “القوات”، علماً أنّها في طليعة المواجهين لـ”حزب الله” اليوم وللمشروع الايراني، خصوصاً أنّ جنبلاط اقترب كثيراً من منطق معراب لجهة توصيف المشكلة. فهل يمكن له مثلا أن يترجم مواقفه بخطوات عملية تكون بسلوك طريق حريصا وصولاً إلى معراب، والاتفاق مع “القوات” على الاستقالة والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة وتغيير هذه الأكثرية، أم سيكتفي بهذا الموقف الذي أطلقه لإعتبارات عدة، منها صداقته مع الرئيس نبيه بري وعدم نيته استفزاز “حزب الله” كثيراً”؟
تعود الأوساط إلى العام 2009، إلى ما سمّتها انعطافة وليد جنبلاط السياسية، إذ أعلن في الثاني من آب 2009 خروجَه من 14 آذار إلى الوسط، تحت عنوان “التسوية والحوار والسلم الأهلي”، من دون إفقاد الأكثرية غالبيتَها البرلمانية وقتذاك، ثم كانت المحطة الفاصلة في 24 كانون الثاني 2011، عندما أعلن جنبلاط انتقالَه إلى صفوف الثامن من آذار، وقلب الموازين داخل مجلس النواب عبر نقل الأكثرية من ضفة إلى أخرى تحت ضغط أصحاب “القمصان السود”، معلناً قرارَه العودة إلى موقعه الطبيعي، موقعُ الدفاع عن العروبة والعلاقات المميزة مع سوريا والثبات إلى جانبِ سوريا والمقاومة.

لذا، تقول الأوساط: “لا شك انّ مواقف جنبلاط ستخضع في المرحلة المقبلة لمزيد من الدرس والتمحيص والمراقبة، من أجل تبيان ما اذا كان هذا الموقف سيكون ثابتاً وسيتطور إلى موقف عملي، أم سيقف عند هذا الحد أو سيشهد تراجعاً إلى الوراء اذا تمّ أرضاؤه حكومياً”؟.