مع انتهاء الانتخابات النيابية وانتفاء الحاجة إلى «عدّة الشغل» الخاصة بها، عاد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى براغماتيته التي تجلّت أخيراً في موقفين: الانفتاح مجدداً على «حزب الله» بعد انقطاع، والدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية يكون وسطياً وعابراً للاصطفافات.. فماذا في جعبته على وقع بدء العد التنازلي الدستوري لانتخاب الرئيس؟
من الواضح أنّ جنبلاط قرر ان يتمايز في خياراته السياسية لهذه المرحلة، فوقف على «مسافة آمنة» من أدبيات نواب قوى المعارضة وإن كان البعض يحسبه ضمن صفوفهم، واقترب من «حزب الله» انما مع التمسّك بخصوصياته في مقاربة الملفات الخلافية.
والأكيد انّ تبعثر المجلس النيابي الجديد الى أقليات كثيرة او أكثريات أقلوية سمح لجنبلاط بأن يكتسب تحت قبته مساحة مؤثرة في تحديد وجهة الاستحقاقات، كما ظهر خلال انتخاب رئيس المجلس نبيه بري لولاية جديدة.
والآن يستعد جنبلاط لتأدية دور وازن في استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية، وهو الذي يعرف انّ كتلته (اللقاء الديموقراطي) تشكّل احد الممرات الضرورية أمام اي مرشح يريد تسهيل وصوله الى قصر بعبدا.
أما في الشأن الحكومي، فإنّ جنبلاط يبدو مَرناً في مقاربة مسألة الاسم الدرزي الثاني المفترض ان يحلّ مكان الوزير عصام شرف الدين، وفق المعادلات والتعديلات الوزارية المتداولة، لكنه في الوقت نفسه لا يجد انّ هناك ما يحول دون أن تملأ حكومة تصريف الأعمال الفراغ المحتمل في بعبدا، إن أخفقت محاولات تشكيل حكومة أصيلة مكتملة الصلاحيات.
ويؤكد جنبلاط لـ«الجمهورية» انه لا يضع شروطاً على التمثيل الدرزي في اي حكومة جديدة او معدّلة، وتحديداً على الاسم الذي يمكن أن يحل مكان الوزير شرف الدين.
ويعتبر ان الرئيس نجيب ميقاتي مصيب في الصيغة الحكومية التي رفعها الى رئيس الجمهورية ميشال عون، «وبالتالي يمكن اعتمادها مع بعض التعديلات اذا كان لا بد منها»، مشيراً الى انّ هناك «مصائب» قي الحكومة الحالية لا يجوز الإبقاء عليها تفادياً لاستمرار الهريان.
وينبّه الى انّ الطاقة هي إحدى المشكلات الاساسية التي لم يعد جائزاً تركها بلا معالجة جذرية، مكررا التشديد على وجوب تشكيل هيئة ناظمة للقطاع بصلاحيات حقيقية، لا هزيلة، كما هي حال صلاحيات هيئة إدارة قطاع البترول.
ولدى سؤال جنبلاط: هل حكومة تصريف الأعمال تستطيع تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة في حال حصل الفراغ الرئاسي؟ يجيب: كفى تهويلاً بالفراغ، الأولوية هي لتشكيل حكومة جديدة طبعاً، واذا تعذّر ذلك فإنّ بمقدور حكومة تصريف الأعمال ملء الفراغ وتولّي صلاحيات رئيس الجمهورية، والاكيد ان مثل هذا الاحتمال يبقى أفضل من الفراغ.
ويلفت جنبلاط الى انّ الاساس هو انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية، معتبراً ان الجهود يجب أن تتركّز على إنجاز هذه الاولوية «بدل التلهّي منذ الآن بفتاوى دستورية يمين وشمال، تصدر غب الطلب، على قياس المصالح الضيقة والحسابات الفئوية».
ويدعو جنبلاط الى عدم المراهنة على الخارج في ملف الاستحقاق الرئاسي، معتبرا ان المطلوب لَبننة هذا الاستحقاق، «لأنّ الازمات المتفاقمة على كل الصعد لا تتحمّل ربطه بالتعقيدات الإقليمية والدولية».
ولدى سؤاله اذا كان مرشح التحدي الذي ينادي به رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يملك اي فرصة للوصول إلى قصر بعبدا؟ يرد جنبلاط: مرشح التحدي، أيّاً تكن الجهة التي تطرحه، ليست لديه فرصة للوصول إلى رئاسة الجمهورية لأنّ علّته «مِنّو وفيه» كما تدل تسميته، إذ كيف لمن يريد التحدي ان يمر الى بعبدا في ظل تركيبة المجلس النيابي الحالية والتوازنات السياسية السائدة؟ ويضيف رئيس الحزب الاشتراكي: الواقعية السياسية والمصلحة الوطنية في آن واحد تستوجبان انتخاب رئيس متوافَق عليه، عابر للاصطفافات الحادة، يستطيع الانفتاح على الجميع والتواصل معهم وليس العكس.
وعند استيضاحه عن مسار العلاقة مع «حزب الله» بعد الاجتماع الاخير في كليمنصو، يوضح جنبلاط انّ التواصل مستمر ولكن لا جديد، رافضاً وضع الحوار المتجدّد مع الحزب في إطار ربط النزاع: «المسألة ليست مسألة نزاع نُنظّمه، بل تحاور ضروري مع الآخرين ومن بينهم «حزب الله»، هذا كل ما في الأمر».