وليد جنبلاط يتحدّث بأمور كثيرة ويضْطَرب، لكن المطلوب واحد. ترسيم حدود العلاقة مع حزب الله على أسس جديدة، كما يُريد منه أن لا يكون طرفاً إلى جانب الرئيس ميشال عون. ولذلك يشّن حملة عليه وعلى إيران
… ولا مرّة نضحَ بالحسَن. إنها العبارة الأكثر تعبيراً الآن عن حالة رئيس الحزب «الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط. آخر صيْحاته، الهجوم المتواصل على حزب الله وإيران، والتي سيُقال الكثير عن مفاتيحها ومعانيها ورسائِلها وأسبابها، وسيُقال أكثر عن اعتذاره عن عدم المشاركة في حكومة الرئيس سعد الحريري المُقبلة، وإعادة إحياء حلف «عُلا» لبناني لمواجهة محور المقاومة. لكن مُشكلة جنبلاط، الذي خرجَ من ١٤ آذار وانخرط في مشروع مساكنة مع الحزب طيلة السنوات الماضية، حجمها أنه «لم يعُد يمون على أكثر من نفسه في العملية السياسية»، وأن حزب الله لا يُفعّل خطوط التواصل معه، ولا يضغَط على الرئيس ميشال عون في موضوع الحكومة.
ولعلّ جنبلاط هو الأكثر قدرة على التقاط إشارات التحول في المنطقة والعالم، هاله ما حصل من تطوّرات في الداخل الأميركي، فخرجَ مُتخبطاً على نحو غير مسبوق، مُطلقاً حملات تارةً غاضبة وتارةً أخرى تنمّ عن خوف «من المستقبل القريب» كما قال، وذلِك في واحدة مِن المراحِل التي قد تكون الأكثر تهديداً لدوره من أي مرحلة سابقة.
جملة واحدة قالها جنبلاط وكرّرها في عدة مقابلات إعلامية «إننا في لبنان تحت سيطرة حزب الله المدعوم من إيران». وتفرّع عنها مواقف عدة أطلقها في أكثر من اتجاه، فكانت أقرب الى «مراجعة سياسية شاملة» لم يوفّر فيها أحد. من العهد إلى الحريري إلى حزب الله، مروراً بالخليج ومن ثمّ إلى الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبر ما حصل فيها أنه «نهاية الديمقراطية».
بالعودة إلى الداخل اللبناني، يُمكِن القول إن ما فعله جنبلاط هو ضرب عدة كرات لإصابة هدف واحد: يُريد أن يستفز حزب الله للتفاعل معه، وذلِك من خلال:
– دعوة الرئيس سعد الحريري إلى الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، وترك قوى الأكثرية النيابية أن تحكم بنفسها، على اعتبار أن أمراً كهذا سيُربك الحزب وعون لعدم وجود بديل يتطوّع للمهمة.
– القول بـ«أننا غير قادرين على الحكم، وليتحملوا مسؤولية كل شيء من الحرب والسلم والانهيار الاقتصادي وكل شيء». يجِد جنبلاط أن الفرصة مؤاتية للهروب من المسؤولية، علماً بأنه أحد أبرز المُدانين في ما وصلت إليه البلاد من انهيار.
ضرب جنبلاط عدة كرات لإصابة هدف محدّد
– اتهام حزب الله بأنه «لا يُعطينا الحرية من أجل القيام بالإصلاح، الذي يجب أن يبدأ في الكهرباء»، وهي الفكرة التي يحاول خصوم الحزب تكريسها في عقول الناس، أنه هو من يحمي الفساد.
– الإشارة إلى تورط حزب الله في انفجار المرفأ، عبرَ القول إن «المواد أُتِي بها الى لبنان كي تستخدم للطائرات السورية، واتهم النظام السوري وجماعته بالإتيان بنيترات الأمونيوم».
ثمة من يقول إن جنبلاط يُعيد تموضعه، وإنه يدلّ على بعد سياسي جبهويّ، ورغبة في فتح صفحة جديدة مع دول الخليج التي ترهن ذلِك بدفتر شروط سياسي، غيرَ أنه لا مكان لكل ذلِك. كل كلام جنبلاط في عياره الثقيل مرتبِط ببعدين اثنين:
الأول، نقمة على حزب الله الذي يعتبر جنبلاط أنه منحاز إلى ميشال عون وجبران باسيل، وبالتالي هذا الانحياز يمنعه من لعب أي دور على صعيد الحكومة.
والثاني، طلب استرحام من الخارج لتفادي العقوبات. يعلَم جنبلاط أن الأميركيين والسعوديين يريدون للبلد أن ينهار بالكامل، ولم يعُد يعنيهم حلفاء أو أصدقاء، حتى إن السفيرة الأميركية في بيروت سبَق أن قالت بصراحة إن «الانهيار هو ضريبة التعايش مع حزب الله».
والى هذين البُعدين، أخذ جنبلاط بالتحامل على إيران، ربّما، لأنه غير مُتقبّل لحجم الخسارات في المحور الآخر الذي لطالما راهن عليه. والأبرز في حفلة الجنون الجنبلاطية ضد إيران، ما أشار إليه في ملف الترسيم قائلاً (في مقابلته مع «أم تي في»، أول من أمس): «أمّا في البحر، فقيل لي إن وزيرة الدفاع ذهبت وزارت الرئيس نبيه بري الذي عمل لمدة 10 سنوات على استرجاع هذه الـ850 أو 860 كلم2. اليوم، وزيرة الدفاع تريد أن توصلنا إلى حيفا، وفي المقابل الإسرائيلي يريد أن يصل إلى بيروت؛ أي بات الملف «شبعا» بحرية، والذي طرحته وزيرة الدفاع أن المساحة التي كان يتفاوض عليها الرئيس بري غير دقيقة، وهذا الذي طرحه ميشال عون الذي يريد مساحة أوسع. فمن أين أتته الإشارة؟ «ما في شي». عون أو غير عون بهذه الحيثية إلّا بطلب من دولة إيران». غابَ عن بال جنبلاط، عن قصد أو مِن دون قصد، أن فكرة المرسوم البحري لا تعود الى وزيرة الدفاع زينة عكر، بل إلى قيادة الجيش… وهو الأعلَم أينَ مربَط خيلها.