البعض من الزعماء يعتقد أنّ كل ما يفكرون فيه، صحيحاً كان أو خطأً، ويقوله يصبح كلاماً مقدساً، وذلك من فائض الثقة بالنفس والاتكال على جمهور يصدّق ما يقوله الزعيم ويعتبر كلامه مقدّساً.
المشكلة أنّ الإنسان يمكن أن يجتهد في بعض الأحيان ولكن لا يمكن أن يجتهد في حقائق التاريخ، وهذا ما حدث مع الزميل الاستاذ عماد الدين أديب، الصحافي العربي الكبير، وكما كانوا يسمّونه بـ»بطل شاشة التلفزيون»، فقد كان يقدّم برنامجاً حوارياً مع الملوك والرؤساء والأمراء ورؤساء الحكومات والوزراء والمرجعيات الروحية طوال أيام الأسبوع سنوياً، وكان المشاهدون ينتظرون هذا البرنامج ليتابعوا الحوارات القيّمة التي يعقدها.
وكان عدد كبير من الرؤساء ينتظر أن يكون الزميل الاستاذ عماد لديه من الوقت كي يجري مقابلة معه، وهذا معروف ولا نقول فيه جديداً.
ما دفعنا الى هذه المقدمة المفاجأة أنّ وليد جنبلاط نصّب نفسه مؤرّخاً وتناول بكلام ساخر على طريقته موضوعاً في غاية الجدّية فأخذ على الاستاذ أديب قوله إنّ الحضارة اللبنانية ترقى الى سبعة آلاف سنة.
والحقيقة أنّ الناس لا تستسيغ التعامل مع تاريخها بالسخرية، ثم إنّ الناس تقرأ وتعرف وتميّز، وهناك أساتذة ومؤرخون وعلماء تاريخ، وموسوعات ينجزها علماء كبار، وليس منطقياً أن يتصدّى كل مَن يشاء للتاريخ ويحوّره وفق رغباته وأهوائه.
ونود أن نقتبس من علماء التاريخ وموسوعة التاريخ النصوص التي تؤكّد على أنّ لبنان يعود في تاريخه المعروف الى 7 آلاف سنة: فقد واجه لبنان منذ القِدَم تعدّد الحضارات التي عبرت فيه أو احتلت أراضيه، وذلك لموقعه الوسطي بين الشمال الأوروبي والجنوب العربي والشرق الآسيوي والغرب الافريقي، ويعد هذا الموقع المتوسط من أبرز الأسباب لتنوّع الثقافات في لبنان، وفي الوقت ذاته من الأسباب المؤدية للحروب والنزاعات على مر العصور تجلت بحروب أهلية ونزاع مصيري مع إسرائيل، ويعود أقدم دليل على استيطان الانسان في لبنان ونشوء حضارة على أرضه الى أكثر من 7000 سنة.
وفي القِدَم، سكن الفينيقيون أرض لبنان الحالية مع جزء من أرض سوريا وفلسطين، وهؤلاء قوم ساميون اتخذوا من الملاحة والتجارة مهنة لهم، وازدهرت حضارتهم طيلة 2500 سنة تقريباً (من حوالى سنة 3000 حتى سنة 539 ق.م)، وقد مرّت على لبنان عدّة حضارات وشعوب استقرت فيه منذ عهد الفينيقيين، مثل المصريين القدماء، الآشوريين، الفرس، الإغريق، الرومان، الروم البيزنطيين، العرب، الصليبيين، الأتراك العثمانيين، فالفرنسيين.
وطبيعة أرض لبنان الجبلية المنيعة كمعظم جبال بلاد الشام كانت ملاذاً للمضطهدين في المنطقة منذ القِدَم، وفي الوقت ذاته صبغت مناخه وجمال طبيعته التي تجذب السياح من البلاد المحيطة به مما أنعش اقتصاده حتى في أحلك الأزمات (…).
عوني الكعكي