تخوض السعودية حروباً غير مباشرة مع إيران في كل من اليمن وسورية ولبنان والبحرين، لتثبيت مبدأ منعها من التدخل في الشأن العربي، وعدم منحها أي شرعية أو إقرار، ولو في صيغة مداورة، بأنها تستطيع التفاوض على وضع هذه الدولة العربية او تلك، او على مصير الحكم فيها، على رغم استعداد الرياض، الى حد ما، للتعامل مع «عملاء محليين» لإيران في هذه الدول، من منطلق أنهم عرب ولهم حق المشاركة في تقرير مصير بلادهم.
ولعل هذا ما يفسر التطور الذي طرأ أخيراً على موقف المملكة من الأزمتين في اليمن وسورية، مع ترحيبها بانعقاد اجتماع جديد في جنيف برعاية الأمم المتحدة بمشاركة «الحوثيين» للبحث في حل للوضع اليمني، وإعلان وزير خارجيتها عادل الجبير أن بإمكان الرئيس السوري بشار الأسد البقاء في السلطة إلى حين تشكيل حكومة انتقالية في دمشق.
وجاءت موافقة الحكومة اليمنية الشرعية على المشاركة في اجتماع جديد في جنيف للتفاوض مع «الحوثيين» وجماعة علي عبد الله صالح على تسوية سياسية تقوم على تطبيق قرارات مجلس الأمن والاتفاقات التي سبقت الانقلاب «الحوثي» في العام الماضي، بعدما اعلنت الجماعتان التزامهما المسبق تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2216 الذي يدعو الى انسحاب الميليشيات من العاصمة صنعاء وإعادة الأسلحة المصادرة من الجيش اليمني، وخصوصاً صواريخ أرض – أرض، والكف عن اللجوء إلى العنف وإطلاق المعتقلين السياسيين.
وكانت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي قرّرت في آب (أغسطس) الماضي عدم إرسال وفد إلى مسقط للمشاركة في مفاوضات مع «الحوثيين» بعد فشل اجتماع أول في جنيف، مشترطة اعلان الجماعة مسبقاً التزامها القرارات الدولية. آنذاك، اعتبرت اوساط يمنية ان الإيرانيين «ممثلون» في المفاوضات عبر العمانيين، وأنه لا بد من إعادة المبادرة الى يد الأمم المتحدة اذا أريد لها ان تنجح.
وليس للسعودية اي تحفظ عن مكانة «الحوثيين» ودورهم في اليمن، بعدما اكدت ذلك عملياً من خلال المبادرة الخليجية التي رعتها والتي منحتهم امتيازات لم تكن لهم قبلها. وهي مستعدة، على رغم الحرب المحتدمة معهم الآن، للقبول مجدداً بموقع لهم على الخريطة السياسية لليمن، شرط ان يكتفوا بدورهم طرفاً رئيساً ويتخلوا عن سعيهم الى الهيمنة على حساب المكونات اليمنية الأخرى.
أما في الشأن السوري، فتأتي التصريحات الأميركية والروسية عن احتمال عقد لقاء دولي – إقليمي تستثنى منه إيران، وتشارك فيه كل من موسكو وواشنطن والرياض وأنقرة وعمّان، لبحث الأزمة السورية، لتؤكد الموقف السعودي الواضح من ان المشكلة الرئيسة في سورية هي مع طهران التي تشكل قوة احتلال، وليست مع الروس الذين تربطهم بدمشق علاقات تعود الى اكثر من اربعة عقود، على رغم تحفظ الرياض الشديد عن التورط الروسي المباشر المستجد في هذا البلد.
وتدرك المملكة أن التدخل الروسي في الحرب السورية لن يدوم طويلاً لأسباب موضوعية وذاتية، وأن موسكو ستسارع إلى البحث عن مخرج ما، قبل ان يتحول تورطها عبئاً لا يمكنها تحمل نتائجه.
وتعتبر السعودية أن التسوية في سورية يجب أن تحفظ لكل الأطراف دورهم ومشاركتهم، بغض النظر عن الانتماء الطائفي او العرقي، وأنها ليست مع شعارات المتطرّفين الداعية إلى إقصاء الطائفة العلوية، وهي لذلك تشارك في التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» وسواه من المجموعات المتشددة.
وفي لبنان، سبق للرياض أن تعاطت إيجاباً مع «حزب الله» وأسدت إليه النصح وقدمت إليه معلومات مهمة أكثر من مرة، قبل أن تكتشف بعد افتعاله حرب تموز (يوليو) 2006 أنه لا جدوى من استثارة «لبنانيته» أو «عروبته» لأنه يأتمر فقط بالتوجيهات الإيرانية.
تؤكد السعودية أنه لو اكتفت إيران بأن تكون دولة جارة تؤمن بمبادىء الاستقلالية وحسن الجوار وعدم التدخل، لما كان هناك ضير في سماع رأيها ومشورتها وحتى في أن يكون لها دور ما في تسوية أزمات المنطقة، لكن ما فعلته منذ ثورة الخميني أنها حاولت سلب العرب دورهم في معالجة أمورهم، وقامت بذلك عبر افتعال أزمات داخلية في بعض الدول بواسطة جماعات مرتبطة بها مذهبياً أو سياسياً، ومن ثم اقتراح حلول تمنحها شرعية التدخل هنا وهناك، وتمكّنها من خرق النسيج الداخلي وفرض هيمنتها.