على مدار ثلاثة توقيتات متقارِبة، نفّذت إسرائيل فجر الإثنين الفائت ثلاث ضربات صاروخية متتالية على مقرّ لواء ١٥٥ التابع للجيش السوري في بلدة القطيفة في ريف دمشق. ويصطلح الخبراء العسكريّون على تسمية هذه الغارة بالعملية المزدوجة، كون الضربتين الأولى والثانية نفّذتهما طائرات إسرائيلية، بينما الضربة الثالثة حصَلت بواسطة صواريخ أرض – أرض انطلقت من الجولان المحتلّ.
رغم أنّ هذه الغارة الإسرائيليّة المزدوِجة ليست الأولى من نوعها، لكنّها من وجهة نظر متابعين لملف «السلوك الإسرائيلي» تجاه الأزمة السورية، حملت مفاجأتين لكلٍّ من دمشق و«حزب الله» على الأقلّ، إن لم يكن لروسيا أيضاً:
المفاجأةُ الأولى كان مبعثها أنّه طوال الفترة القريبة الماضية، ومنذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصارَه على «داعش» في سوريا، كانت هناك معلومة متداوَلة ولها صفة القناعة المسلّم بها عند النظام السوري وحلفائه، ومفادُها أنّ موسكو حصلت من تل أبيب على وعدٍ حاسم بأنّها لن تشنَّ أيَّ غارة جوية أو صاروخية على سوريا طوال هذه الفترة التي تسبق عقدَ الإنتخابات الرئاسية الروسية في ربيع هذا العام، وذلك من باب «رسالة حسن نيّة» من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لموسكو، بعدم إحراج صورة بوتين عن قوّته في سوريا.
والواقع أنّ غارة القطيفة فاجأت المعتقدين بهذه المعلومة سواءٌ في دمشق أو داخل أروقة «حزب الله». وتبيَّن لهم على نحوٍ قاطع أنّ هذه المعلومة لم تكن دقيقة، أو أنّه في أحسن الاحوال حدَث تطوّر استثنائي جعل نتنياهو يتراجع عن وعده لبوتين.
المفاجأةُ الثانية تفاعلت بعد الغارة داخل كواليس الدوائر السورية، وتمّ التعبيرُ عنها من خلال طرح سؤال عن سبب عدم إصدار موسكو أيِّ تصريح رسمي يُدين الغارة.
معلوم في هذا السياق، أنّ الكثير من الغارات الإسرائيلية السابقة لم تعقبها ردود فعل رسمية من موسكو، وكان هذا السلوك مفهوماً من أطراف محور النظام، كون قيادة حميميم الروسية، لم تكن تعتبر هذه الغارات التي تستهدف تحديداً مواقع لـ»حزب الله» أو مواقع للجيش السوري تتواجد فيها ترسانات صاروخية للحزب، بمثابة خروج عن تفاهم روسي – إسرائيلي ينظّم ما تسمّيه موسكو «السلوك الإسرائيلي في سوريا».
ولكن إثر غارة كانون الأول الماضي دانت موسكو غارة إسرائيلية حصلت حينها ضدّ سوريا، وسرى حينها أنّ سببَ الإدانة الرسمية الروسية، هو أنّ تل أبيب لم تُقنع موسكو بأنّ الهدف الذي أغارت عليه، يقع داخل نطاق التفاهم الروسي الإسرائيلي الذي يتيح لتل أبيب شنَّ غارات في سوريا إذا كانت تستهدف كبح نقل «حزب الله» للصواريخ الى لبنان أو تخزين مثل هذه الصواريخ لصالحه في سوريا.
والسؤال الذي يطرح نفسَه حالياً بمناسبة غارة القطيفة وصمت موسكو حيالها، هو عن الذريعة التي قدّمتها تل أبيب إلى موسكو لإقناعها بأنّه يحقّ لها قصف القاعدة 155، علماً أنّ هذه القاعدة تابعة للجيش السوري وتتكوَّن بحسب خبراء عسكريّين من ثلاث كتائب: الأولى كتيبة الناصرية، والثانية كتيبة القطيفة وكتيبة حضير التحتا، إضافة الى كتيبة فنّية تقوم بعمليات تأمين كتائب إطلاق الصواريخ. وتحوي قاعدة اللواء 155 نوعاً من الصواريخ يراوح مداها ما بين 300 الى 700 كلم وهي من نوع «سكود».
وإذا كانت القاعدة مقروءَة عسكرياً على هذا النحو الواضح لجهة تبعيّتها للجيش السوري، فلماذا استهدفتها إسرائيل طالما أنّها تقع خارج تفاهمها مع موسكو حول سماح الأخيرة لها بضرب نشاطات محدّدة لـ»حزب الله» في سوريا.
ثمّة أجوبة عدة مطروحة على هذا السؤال، الأوّل تقول به معلوماتٌ مستقاة من مصادر في المعارضة السورية، ومفاده أنّ إسرائيل تُبرّر غارتها بمعلومات لديها تفيد بأنّ مقرّ قيادة اللواء 155 بات يشكّل مركزاً إيرانياً لتصنيع جيل جديد من صواريخ «سكود» المعدّلة، وذلك عبر خبرات إيرانية وكورية شمالية.
وتلاحظ هذه المصادر أنّ الوجبة الأخيرة من الغارات الثلاث استُهدفت بصواريخ أرضية وليس من الجوّ، مقرّ قيادة اللواء الواقع عند مفرق حضير التحتا الذي تتّهمه الاستخبارات الإسرائيلية بأنّه مركز نقل الخبرة الإيرانية والكورية لتعديل صواريخ «سكود» الموجودة في معسكر اللواء 155.
وتلفت هذه المصادر الى أنّ الطائرات الإسرائيلية التي قصفت لواء 155 في القطيفة، من فوق لسان عرسال، لم يكن بإمكانها مطاولة قيادة المقرّ الواقع عن سفح جبل، فتمّ استهدافُه بصواريخ أرض أرض من قرب بحيرة طبريا في الجولان.
لكنّ مصادر مطّلعة على واقع السلوك الإسرائيلي في سوريا، تتّهم هذه الإجابة بأنها تقدّم قراءةً تقنيّة لخلفيات غارة القطيفة، بينما الهدف الإسرائيلي الحقيقي منها هو سياسي، ويكمن في رغبة تل أبيب بتوجيه رسالة سياسية لمناسبتين أساسيّتين: الأولى للقاء سوتشي الذي سيُعقد نهاية هذا الشهر، والثاني للنظام وللدول الضامنة لاتّفاقات مناطق خفض التوتر.
وفي تفصيلات هاتين الرسالتين، تفيد هذه المصادر أنّ إسرائيل تقصَّدت الدخول على خط الأزمة السورية عشيّة انعقاد لقاء أوسلو الذي تطمح من خلاله موسكو الى إنجاز رؤية سياسية بين النظام والمعارضة تستطيع أن تكون مسودّة تسوية قابلة للنقاش خلال مؤتمر جنيف المقبل للمصالحة السورية. وضمن هذا السياق، تُعتبر غارة القطيفة بمثابة تذكير إسرائيلي لموسكو وللنظام على السواء بأنّ عدم مراعاتهما للمصالح الاسرائيلية خلال وضع مبادئ حلّ الأزمة السورية في سوتشي سيؤدّي الى بروز ردّ إسرائيلي عملي لتخريب مسار تجسيد أيّ تسوية سياسية فوق الميدان السوري.
الرسالة الثانية موجّهة إلى الدول الضامنة لمناطق خفض التوتر التي كانت اتّفقت في ما بينها لدى صياغة برتوكول إنشاء هذه المناطق على أن تعودَ لمراجعة حُسن تنفيذها كل ستة اشهر، وذلك لدرس النواقص التي ظهرت خلال تجربتها على أرض الواقع.
وخلال فترة وجيزة سيَحين موعد مراجعة تجربة مناطق خفض التوتر، وتريد إسرائيل عشية هذه المناسبة تذكير الدول الضامنة لخفض التوتر في منطقة جنوب سوريا، بأنّ مطلبَيها بخصوص إبعاد إيران و«حزب الله» 40 كيلومتراً الى خلف الحدود مع الجولان المحتل، وأيضاً منع طهران من إنشاء تمركز عسكري نوعي لها في سوريا، لم تتمّ تلبيتُهما، أو أقلّه لم يُنظر اليهما بالجدّية الكافية.