انشغل العالم بالملف النووي الايراني خلال العام الجاري المقترب من نهايته. وعلى رغم أن التوقّعات كانت كبيرة وكثيرة بانتهاء الانشغال بتسوية له عبر المفاوضات بين المجموعة الدولية 5+1 وايران وبين واشنطن وطهران، فإن أطرافها اكتفوا بتمديد التفاوض سبعة اشهر أخرى وبالايحاء أن التسوية لا بد قادمة بعد تذليل صعوباتها التقنية. ذلك أن المسافة التي قطعها حتى الآن الأميركيون والايرانيون لم تعد تسمح لأي منهما بالتراجع، فضلاً عن أن تفاهمهما صار حاجة ملحّة، وخصوصاً بعد وقوع الشرق الأوسط في أتون الحروب والارهاب. علماً أنه وحده ليس كافياً ولا بد أن ترافقه تفاهمات بين ايران وحلفاء أميركا في المنطقة.
هل من معلومات عن الأسباب التي أرجأت الاتفاق النووي المذكور أعلاه؟
يؤكد متابعو المفاوضات النووية الدولية ومفاوضات واشنطن وطهران أنهم استغربوا عدم التوصل الى اتفاق بعد حصولهم على معطيات تفيد أنه صار قريباً من الانجاز. ويؤكدون أيضاً أن الايرانيين كانوا راغبين في الاتفاق وكذلك الرئيس باراك أوباما. لكنهم يشيرون الى أنه لم يستطع المضي حتى النهاية في هذا الموضوع لأسباب عدة. منها التشدُّد في المفاوضات الدولية الذي أبدته فرنسا وألمانيا وحتى بريطانيا وخصوصاً في أمرين، الأول هو مدى خفض نسبة تخصيب الأورانيوم المسموح بها لايران. والثاني المدى الزمني لرفع العقوبات المفروضة على الأخيرة. فالمسؤولون في طهران أصروا وتمسّكوا برفع فوري لها بعد توقيع الاتفاق أو على الأقل برفع تدريجي لها لكن بوتيرة سريعة. في حين أن “القوانين” التي فُرضت بموجبها تتحدث عن تدرّج في رفعها يصل الى مدة 25 سنة، وذلك كي يتم التأكد من تنفيذ ايران الالتزامات التي قبلتها ووقّعت عليها في التسوية أو التفاهم النوويين. ومن الأسباب أيضاً أن العقوبات التي فُرضت على ايران ليست من نوع واحد بل ثلاثة. الأول عقوبات فُرضت بقرار رئاسي أميركي (Executive Order). ويستطيع الرئيس رفعها ساعة يريد. والثاني عقوبات فرضها الكونغرس الأميركي ووافق عليها رئيس الجمهورية بتوقيعها ومن ثم اصدارها. ورفع هذه العقوبات ليس سهلاً لأنه يحتاج الى قانون. وبعد خسارة الحزب الديموقراطي، الذي ينتمي اليه أوباما، الكونغرس بمجلسيه في الانتخابات النصفية الأخيرة لم يعد يمتلك القدرة على رفعها الا بعد مماحكات و”بازارات” ومساومات، وخصوصاً أن عدداً من الديموقراطيين يشاركون “السادة” الجمهوريين للكونغرس بعد 20 كانون الثاني المقبل خوفهم من تسوية سيئة تسمح لايران بالحصول على سلاح نووي وتهدِّد تالياً اسرائيل وأمنها. أما النوع الثالث من العقوبات فقد فرضته الأمم المتحدة بقرارات صادرة عن مجلس الأمن. ورفعها ليس سهلاً على الاطلاق في ظل التباين بين أميركا وحلفائها المانيا وفرنسا وبريطانيا حول هذا الموضوع، كما في ظل التناقض بينها وبين روسيا حول الشرق الأوسط بمشكلاته كلها وحول دول أوروبا الشرقية وفي مقدمها أوكرانيا.
هل هناك من يستطيع أن يؤكد أن تسوية الملف النووي الايراني مضمونة في الأشهر السبعة الجديدة التي أعطيت للمجموعة الدولية 5+1 ولايران كي تتابعا تذليل الصعوبات التقنية والسياسية؟
لا أحد يستطيع أن يؤكد أمراً كهذا على رغم أن المعطيات الايجابية المتعلقة بهذا الملف تفوق كثيراً المعطيات السلبية سواء في أميركا أو في الجمهورية الاسلامية الايرانية أو في الدول المفاوضة الأخرى بما في ذلك روسيا. لكن شعور التوقّع المتفائل يبقى أكبر من شعور التوقّع المتشائم. ويستند ذلك الى معطيات دقيقة عن التفاوض. كما يستند الى مظاهر العلاقة الجيدة التي بدأت بين المسؤولين الأميركيين والايرانيين المتفاوضين منهم والمشرفين على المفاوضات اذ صار وزير خارجية اميركا ووزير خارجية ايران يناديان بعضهما بالاسم الأول لكل منهما. كما يستند الى معلومات المتابعين الأميركيين عن رغبة ايران في اطلاق مفاوضات نشطة مع أميركا وروسيا وفرنسا حول القضايا المختلف عليها كلها وليس على الملف النووي فقط، وفي مقدمها الحرب في سوريا والشغور الرئاسي في لبنان و”تورّط” مقاتلي “حزب الله” في سوريا. ويكمن وراء هذه الرغبة التخوُّف من التشدُّد الجمهوري في أميركا بعد بدء الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية في المجلسين ولايته، والحرص على مواجهته بالتعاون مع أوباما وحلفائه الغربيين.