46 سنة مرّت على اندلاع حرب الآخرين على أرض لبنان، 46 سنة مضت ولم يتعلم السياسيون في لبنان من دروس الحرب وإدخال البلد في لعبة المحاور الإقليمية والدولية.
بعد كل هذه السنوات، لا يمكن المرور على الذكرى الـ 46 لحادثة بوسطة عين الرمانة من دون التطلّع إلى واقع المكوّن المسيحي، الذي وقف يومها مدافعاً عن سيادة لبنان وحريته وكرامته ومانعاً تحقيق مشروع “طريق القدس تمرّ بجونية”.
تغيّرت الظروف وتبدّلت الأدوات وما زال العدو يتربّص بأرض لبنان. رحل الفلسطيني وجاء السوري، وعاد ورحل أيضاً ليحلّ مكانه الإحتلال الإيراني عبر “حزب الله”، لكن المفارقة أن المسيحي الذي وقف وقاوم وصمد وانتصر يعيش ضياعاً، في حين أن قسماً منه سلّم الدولة إلى الدويلة.
وهنا لا بدّ من الدخول في التفاصيل، إذ إن أكبر تيار سياسي أو أكبر كتلة نيابية مسيحية أفرزتها الإنتخابات النيابية الأخيرة تابعة لـ”التيار الوطني الحرّ”، هذا “التيار” أوصل رئيسه العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية فكانت النتيجة كارثية، فبدل أن يعمل على تقوية مشروع الدولة، سلّم الدويلة كل شيء وغطاها، ودفع الشعب اللبناني ثمناً باهظاً نتيجة الحصار غير المعلن المفروض عليه وإلحاق لبنان بالمحور الإيراني.
ولم يكتف “التيار البرتقالي” بهذا الأمر، بل يواجه سهاماً قوية من المسيحيين السياديين الذين يتهمونه بـ”الذميّة”، ولم يكن وقوف نائبه الزحلاوي سليم عون محتاراً أمام الإعلامي طوني خليفة ومساوياً الرئيس الشهيد بشير الجميل بالسيّد حسن نصرالله، سوى دليل عن إلتحاق أكبر كتلة مسيحية بمشروع “حزب الله” الذي ينسف أساسات الدولة، فهو عدا عن سطوته العسكرية، فانه بات له نظامه الخاص من مصرفي إلى مالي وإقتصادي وصولاً إلى تأمين السلع المدعومة.
ويقف حزبا “الكتائب اللبنانية” و”القوات اللبنانية” في الجهة المقابلة. فـ”الكتائب” تحاول تجديد نفسها مع رئيسها النائب السابق سامي الجميل، والأخير وإن كان يتميّز بخطاب سيادي وإصلاحي، إلا أنه يتلقى السهام من قبل بعض الكتائبيين نتيجة إتهامه بمحاولة تغيير وجه الحزب وإدخال التيار اليساري إليه وإخراجه عن مساره الطبيعي، وخجله بتاريخ حزبه المقاوم والذي قدّم آلاف الشباب دفاعاً عن لبنان الحرّ السيّد المستقل ومحاربة مشروع جعل لبنان وطناً بديلاً، والجميع يشهد أنه لولا وقفة “الكتائب” في تلك المرحلة مع أحزاب “الجبهة اللبنانية” لكان لبنان الذي نعرفه قد غاب عن الخريطة.
أما بالنسبة إلى حزب “القوات اللبنانية”، فهو وإن كان غير موجود في بداية الحرب الأهلية وتم تأسيسه ليكون تجمعاً للقوى المسيحية المقاتلة، إلا أنه بات لديه كيانه السياسي الخاص، ويحافظ الحزب على خطّه اليميني والسيادي والإصلاحي، لكن قيادته تواجه ضغطاً كبيراً من القاعدة حيث تدعو القاعدة القواتية إلى فعل شيء وعدم الإكتفاء بالمواجهة السياسية، خصوصاً ان البلد ينهار وأعداء لبنان يتربصون به. من هنا، فان حزب “القوات” في موقف لا يحسد عليه، فمن جهة لا يستطيع السير بالثورة حتى النهاية لأن الرؤية العامة غائبة وأي تحرّك على الأرض، وهنا المقصود شعبياً وليس عسكرياً، قد يفتح باب المواجهة والفوضى، لكن من جهة ثانية، فان التفرّج على الوضع سيدفع إلى الإستمرار بالسياسة نفسها، علماً أن الحزب فقد معظم حلفائه السياسيين وبقي شبه وحيد في المواجهة.
أما القوة الأخرى التي تعيش ضياعاً فهي تيار “المردة”، فحتى لو لم يستطع الخروج من طابعه الزغرتاوي، إلا أن النائب السابق سليمان فرنجية قادر على لعب دور وطني لكنه يضيع ويخلط بين السياسة الكبرى والداخل، فهو لا يستطيع التخلي عن تحالفاته مع النظام السوري، لكنه يدرك جيداً ما جنت أيدي حلفاء هذا النظام على لبنان وأبرزهم “التيار الوطني الحرّ”، لكن في النهاية فانه رغم الإختلاف مع الرئيس عون والنائب جبران باسيل لا يزال يدافع عن السلاح غير الشرعي التابع لـ”حزب الله” والذي وقف شباب زغرتا في وجهه عام 1975 عندما كان في يد الفلسطيني.
ويغيب حزب “الوطنيين الأحرار” عن الفعالية في المشهد السياسي، فالحزب الذي أسسه الرئيس كميل شمعون لم يستطع تجديد نفسه، والجميع يتذكر في هذه المرحلة بالذات أمجاد “فخامة الملك” كذلك سجلات “الأحرار” في الدفاع عن لبنان، ومع تسليم الريس دوري زمام قيادة “الاحرار” الى نجله كميل، فان الحزب سيستمر في دورانه في الحلقة نفسها من دون القيام باي خطوات إستثنائية.
وأمام غياب الرؤية الموحدة فان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقود سفينة التحرر مع دعم القوى السيادية له أمثال “القوات” و”الكتائب” و”الأحرار”، مقابل محاولة “التيار الوطني الحر” مواجهة طروحات الحياد نصرةً لمشروع “حزب الله”، لذلك فان الصورة تُختصر بأن البيت يُضرب من داخله والمعركة أصعب من 1975 لأن مواجهة مشروع خارجي بأيد لبنانية أصعب من مواجهة البندقية الفلسطينية والسورية في ذلك الحين.