وأخيراً… إتّفقوا على إنهـاء الحربِ في اليمَـن..
فلماذا اختلفوا على اليَمـنِ الوطني واتّفقـوا على اليمنِ الأطلال محترقةً بآخر نقطةٍ من النفط حتى آخـر نقطةٍ من الـدم…؟
ولـوْ لـمْ تقع الحرب في اليمن، لَـما كان سلمٌ وصلـحٌ ونظرةٌ وابتسامة ولقاءٌ وكلام، ولَـما كان بحـرُ الدماء قد تحوّل إلى بحـرٍ من القُبَـل، ولَـما انقلبت بحـورُ الشعر من الهجاء الإباحي إلى قصائد الغـزل العذري.
وعلى غـرار ما بدأتْ بـه حرب اليمن وانتهتْ إليه، هكذا انطلقت شرارة الحرب في السودان لتحقيق السلام الوطني بالعنف الدموي.
إنها شيمـةٌ من شِيَـمِ العرب يتراقصون بالسيوف، وهي نـزعةُ الفروسية فيهم تأبى أن تقمعَ نفسها، فإنْ لم تكنْ الحرب على عدُوّك كانت على أخيك.
تفضّلوا، والقـوا نظرةً على عمق التاريخ العربي، منذ العصر الجاهلي وحـرب البسوس بين قبيلتي: بكـر وتغلبْ حتى اليوم، تـرَوا أنّ فترات الحرب والغزو والقتل والتقاتل تتفّوق على فترات الأمن والإستقرار والسلام.
وبالمقارنة مع العالم الغربي، ألقوها اليوم نظرة على العالم العربي على بـلاد اليمن والعراق وليبيا والسودان وسوريا ولبنان، وسائر أخواتها، وسمّوا لنا بلداً في منأىً عن نزاعات سياسية كامنة وتناقضات سلطوية ومذهبية مكبوتة هي أشبـه بحرب باردة مهيّـأةٍ في أيّ آنٍ للإنفجار.
نحن نعرف أنّ الحـرب من مبدأ الشيطان، وليس هناك مؤمنٌ عفيفٌ وملحدٌ شريف وصاحب عقـل وجداني وضمير إنساني يمكن أن يتمنّى نشوب حـرب، وثورة عُنـف إلاّ أن الملوك عندما يستخدمون الحروب لقتل الشعوب، فقد يدفعون بالقدّيسين إلى ارتداء اللّباس المرقّـط.
عندما ينهار بلـدٌ ولا تكون لـه قيمة ولا قيامةٌ إلاّ إذا احتفظ بوجوده وشرفه القومي، فقد تصبح «الحرب تجربـةً عظيمة كما يقول الفيلسوف الإلماني «هيغل»: فإمّـا أنّ تؤكّد الشعوب حريتها وإمّـا أنْ تسقط في العبودية».
نعم… نحن الأكثرية الساحقة والمسحوقة من اللبنانيين، وقد راحت تصرخ فينا دماء الوطن من شقوق الأرض، ولا أَمَـل.
لقد بتنـا نتمنّـى ونرجو أن تندلع عندنا الحرب، دوليةً أو إقليمية، سياسية، إقتصادية، أو مذهبية، لأنّ الخلاص من الجمود القاتل لا يكون إلاّ بحدث عظيم، ولأنّ الـدول التي حولنا والدول التي حولها تعيش على حساب حروبنا الساخنة ونحن نموت يوميّاً على ضفاف المقابر الباردة.
وما دامت الأرض سائبة فليس ما يمنع إخواننا الفلسطينيين من أن يطلقوا القذائف والصواريخ من لبنان إلى إسرائيل، وأجراس الحرب قلتُقرع.
نتمنّى الحرب ، لأننا لا نعرف متى تكون آخـرة الحرب الباردة عندنا ومتى تكون آخـرة الحياة ، فيما الحروب الساخنة حسب التاريخ لا بـدّ من أنْ تنتهي باتفاقية صلـحٍ ومواثيق سلام.
هكذا انتهت مفاعيل سنة 1958 في لبنان بثورة ساخنة، وهكذا حُسمتْ النزاعات الأهلية بحرب 1975 واتفاق الطائف.
خطيئتنا التاريخية أننا لم نصنع الحرب لنحقق السلام، بل استمرّتْ عندنا الحرب ساخنةً وباردة على أيدي قـادة الحرب أنفسهم، وتستمرّ ما داموا على قيد الحياة أحياء عندنا يرزقون.
لا تؤاخذونا، إذا ما بلغ اليأس عندنا حـدّ تفضيل الحرب حين تستعصي سُبُـل السلم.
لنا إسوةٌ بما آلـت إليه حـرب اليمن، وعلينا أن نتشبّه بالأشقاء الكرام حتى وإنْ لم نكـنْ مثلهم.