Site icon IMLebanon

الحرب ضد “داعش”: شروط الانتصار

“الهجمة الارهابية الوحشية الضخمة التي نفذها تنظيم “داعش” ضد المدنيين في باريس تعكس في الجانب الاساسي منها حجم فشل الدول البارزة المؤثرة في الامساك بأزمة سوريا وتسويتها وفي منع تحول هذا البلد قاعدة رئيسية للنشاطات والاعمال الارهابية ومصدر خطر وتهديد جديين للمنطقة وللأمن والسلم الدوليين، وساحة لأكبر مأساة انسانية يشهدها العالم منذ عقود”. هكذا اختصر مسؤول غربي بارز في باريس الوضع بعد الصدمة الهائلة التي اصابت فرنسا وهزت العالم اثر سقوط مئات القتلى والجرحى في عملية “داعش”. وقال: “إن ما تعرض له هذا البلد ليس مرده الى فشل أمني وتقصير استخباري بل مرده الى مجموعة عوامل جوهرية اساسية استناداً الى اقتناعات المسؤولين الفرنسيين والغربيين والاقليميين المعنيين بالملف السوري، وهذه العوامل هي الآتية:

أولاً، فشل استراتيجية احتواء الازمة السورية التي تبنتها الدول البارزة والمؤثرة لأنها الاقل تكلفة بالنسبة اليها، إذ ان هذه الازمة تمددت واتسعت، في ظل غياب عمل جدي على حلها، وانتقلت الى دول عدة في المنطقة والى الساحة الدولية فباتت جزءاً أساسياً من مشاكل الكثير من الدول.

ثانياً، فشل استراتيجية الاكتفاء بالغارات الجوية والعمليات العسكرية من أجل محاولة القضاء على “داعش” وازالة الخطر الارهابي، لأن جذور المشاكل في سوريا والعراق التي تغذي الارهاب هي سياسية واجتماعية ومرتبطة بصراعات اقليمية – دولية وبالممارسات الخاطئة للحكام.

ثالثاً، فشل استراتيجية المماطلة وعدم التعامل جدياً وبسرعة مع الازمة السورية من أجل حلها واستخدام الساحة السورية لتصفية الحسابات الاقليمية – الدولية على حساب مصير البلد ومصالح ابنائه.

رابعاً، فشل الدول المؤثرة في التفاهم على خطة عمل مشتركة قابلة للتنفيذ توقف الحرب وتؤدي الى تسوية الازمة السورية: فروسيا وايران تعطيان الاولوية ليس لانقاذ سوريا وشعبها بل لمحاولة ابقاء الأسد في السلطة. في المقابل امتنعت اميركا حتى الآن عن الانخراط بقوة وجدياً وقيادة عملية دولية – اقليمية واسعة تستخدم فيها كل امكاناتها وطاقاتها من أجل انقاذ سوريا من الجحيم، إذ ان ادارة الرئيس باراك أوباما تبنت سياسة الحد الادنى من الانخراط في عملية الانقاذ وراهنت خصوصاً على الجهود الديبلوماسية والسياسية وعلى فشل السياسات الروسية والايرانية في حماية الأسد ونظامه من السقوط.

خامساً، يظل العامل الاساسي داخلياً ومرتبطاً بممارسات النظام وخياراته. فقد فجر الأسد ضد شعبه المحتج حرباً ألحقت الكوارث بسوريا في كل المجالات وأشاعت الفوضى العامة وأدت الى بروز “داعش” ونموه في البلد الذي تحول قاعدة اساسية للأعمال الارهابية في الداخل والخارج وسط عجز النظام عن القضاء عليه أو تواطؤه سراً مع هذا التنظيم الارهابي. ولخص وزير الخارجية الاميركية جون كيري هذا الوضع في خطابه الأخير وفي تصريحاته بعد اجتماعات “فيينا – 2” اذ قال: “الأسد جعل من المستحيل حصول تغيير سلمي في سوريا لأنه واجه المحتجين بالقوة والقمع منذ بدء الحركة الشعبية الاحتجاجية، ثم استخدم الرصاص والقنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة ضد ابناء بلده. و هكذا جعل الأسد الحرب امراً حتمياً مما ادى الى بروز ونمو “داعش” الذي يشكل أخطر تهديد ارهابي يواجهه جيلنا. الأسد جذب الارهاب الى سوريا ونظامه عقد صفقة مع “داعش” وهو يشتري منه النفط. الأسد و”داعش” جزء من المشكلة وهما نظرياً عدوان ولكن في الواقع ليست لهما مصلحة في وقف القتال”.

وخلص المسؤول الغربي الى القول: “ان قوات المعارضة السورية المعتدلة شريكة في القتال ضد “داعش” اذ انها تحارب هذا التنظيم منذ وجوده في سوريا عام 2013 الى الآن وقت يركز النظام وحلفاؤه على محاربة المعارضين وليس على القتال ضد التنظيم الارهابي. وفرنسا تشهد مع دول أخرى حرباً ارهابية عالمية قابلة للتطور والاتساع ما لم تواجه بجدية اكبر وتعاون اوسع بين الدول المؤثرة. والعمل الجدي يتطلب في وقت واحد تكثيف العمليات العسكرية على انواعها ضد “داعش” والارهابيين عموماً، وكذلك ممارسة ضغوط دولية – اقليمية مؤثرة من اجل نقل السلطة من نظام الأسد الى نظام جديد تعددي وتشكيل قيادة شرعية جديدة تسمح بتوحيد قوات النظام والمعارضة المعتدلة بهدف شن معارك برية شاملة مدعومة عسكرياً من الدول البارزة تنهي الوجود الارهابي في سوريا وتعيد الى هذا البلد الاستقرار والسلام”.