IMLebanon

حرب ونزوح قسريّ… نظام دوليّ (غير) طوعيّ

 

المحامي د. غدير العلايلي

ما زال عدد كبير من المواطنين والمقيمين والعائلات في لبنان، بمن فيهم النساء والأطفال والمسنّون، ورغم بدء موسم الخريف وما يصحبه من شتاء، يفترشون أرصفة الطرقات والشوارع ليل نهار. وذلك منذ نزوحهم القسريّ المستمرّ داخليّاً في لبنان، إثر تمادي العدوان الصهيونيّ الذي هشم القانون الدولي الإنسانيّ في فلسطين ولبنان وغيرهما:

إذ ارتكب، وما زال يرتكب، الكيان «الإسرائيليّ» المحتلّ جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم العدوان – بما في ذلك قصف وتفجير المنشآت المدنية والسكان والمدنيين والجرحى والمرضى ودور عبادة ومستشفيات ومستوصفات وقائمين بأعمال الإغاثة وبالخدمات الإنسانية وإعلاميين والبيئة الطبيعية…

 

وسط كلّ هذا المشهد المأساويّ، ما زال معظم حكّام العالَم والعرب شبه متفرّجين طواعيّةً على الإرهاب والإجرام «الإسرائيليّ» المتواصِل. بذلك تستمرّ وتتكرّر مجدّداً، من فلسطين إلى لبنان وما قبلهما وبينهما وبعدهما، بل تتفاقم فاجعة دولية وإقليمية وعربية، سياسياّ وأخلاقياً وحضارياً وحقوقياً، لِتُضاف إلى هذه المأساة اللبنانية الإنسانيّة والاجتماعيّة الأليمة، ولتزيد من وطأة المصيبة وفداحتها.

هل قلتُم «قانون وتنسيق دوليّ» و«تضامُن إنسانيّ»؟ حبر على ورق، وشِرَع بلا فعالية، وأحكام ونُظُم قانونية تحكمها إزدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين والتمييز والإنحياز سَنّاً وتفسيراً وتطبيقاً، إزاء المخلوق الهجين المسيِّس للقانون الدوليّ والمسمّى «النظام الدولي القائم على القواعد»: فهو يوظَّف ويكيَّف وفق ما تقتضيه «مصالح قومية» غربية مزعومة يفصَّل على قياسها، لا سيما أميركية وصهيونيّة، في كل حالة على حدة.

هذا في حين ان المجتمع الدولي وسائر الدول المعنية لم يبدوا موافقتهم، بل لم يُسأَلوا عنها أساساً، على ذاك «النظام الدولي القائم على القواعد» المستحدَث منذ نهاية الحرب الباردة بشكلٍ مستغرَب وغير معهود، ولا يجوز بالتالي أن يُفرَض عليهم لزاماً من غير رضاهم، حفاظاً على مبدأ سيادة واستقلالية الدول. إلّا أن الكلمة الفصل هي، في الواقع المؤسِف والمرير، لموازين القوى الدوليّة وحساباتها ومعادلاتها على طريقة «إنّ حجّة الأقوى هي الأفضل دوماً».

أمّا وقد قلتم «تضافُر عربيّ» و«تكامُل إقليميّ» و«تعاون إسلامي»، فهي غالباً أصوات بلا صدى، ومواثيق بلا مصداقيّة، وأنظمة مبنيّة على شعاراتٍ تُفرِغها من مضمونها. بعضها متواطئ بشكل مفضوح جهاراً، وبعضها شامت وحاقد وضاغن ولا مبالٍ. فيما يشعر بعض الرأي العام بالعجز نهائيّاً وبالإحباط كلّيّاً وسط هذا الشقاء العربيّ الراهن، تبقى مقاومةٌ بحلّةٍ جديدة ضدّ الإحتلال والاستعمار بأشكاله الجديدة بارقةَ أمل الشعوب العربيّة سعياً إلى تكريس الاستقلال والسيادة والأمن القوميّ واسترداد الحقوق والحرية وحفظ الكرامة الإنسانية والوطنية والعربية.

فلنتطلّع إلى المستقبل، بأساليب مقاومة متجدّدة تتعلّم من أخطاء ومعطيات الماضي والحاضر – الكثيرة والجسيمة حتماً على أصعدة متنوّعة ومتعدّدة – لكي نقرّر مصيرنا بنفسنا دون الاستسلام للأعداء والطامعين.