حرب التسوية السياسية في سوريا تدور على ثلاثة محاور: جنيف، استانا، وسوتشي. الرعاية في محادثات جنيف للأمم المتحدة، والمرجعية تقلّصت لتقتصر أخيرا على القرار ٢٢٥٤. الرعاية في محادثات استانا لروسيا ومعها ايران وتركيا، ولا مرجعية. والرعاية في سوتشي لروسيا التي أقنعت ايران وتركيا بالانضمام اليها، ولا مرجعية. محادثات جنيف غير مباشرة خلافا لمفاوضات التسوية مع اسرائيل، بحيث يتحادث وفدا النظام والمعارضة كلا على حدة مع الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا. محادثات استانة تدار أحيانا في غرفة واحدة وتدور على مسائل أمنية وانسانية وصيانة مناطق خفض التصعيد، وقد انضم اليها في الجولة الأخيرة الثامنة دي ميستورا. والمحادثات المفترض أن تُجرى في سوتشي تبدو أقرب الى كرنفال حيث من المقرر دعوة ١٤٩٠ شخصا من مختلف عناصر الطيف السوري.
وليس في المؤتمرات الثلاثة شيء ينطبق عليه توصيف المفاوضات. والرابط بينها هو حبل روسي ممدود الى أماكن أخرى وصولا الى واشنطن. ولم يبق أمام دي ميستورا سوى السير فوق هذا الحبل. ولا اقتنعت تركيا بدعوة مجموعة كردية تمثل الحزب الديمقراطي الكردي الذي يسيطر حاليا على ٢٥% من الأرض. فضلا عن ان الرئيس بشار الأسد اعتبر في اشارة الى الكرد ان الذين يعملون لبلد أجنبي وبالذات تحت القيادة الأميركية خونة. وهو رأى ان أي شيء أفضل من جنيف التي لم تنتج شيئا خلال ٣ سنوات، ثم وصف المعارضة بأنها لا تمثل أحدا وهي تقريبا ظاهرة صوتية.
ولا مجال للخطأ في قراءة هذا الموقف. فالمسألة الأساسية هي ان حرب سوريا التي تقترب من اكمال عامها السابع لم تنته بعد. ومن هنا التباين في الحسابات. موسكو تتصرف على أساس ان ما فعلته في الحرب حتى الآن يكفي لصنع تسوية على قياس المصالح الروسية. أنقرة التي تركّز على هاجسها الكردي لا تزال تفكر في السيطرة على عفرين لمنع التواصل الجغرافي بين الكرد. وطهران ودمشق تريدان اكمال الخيار العسكري بحيث تكون التسوية مجرد عملية تجميل ضمن مصالح النظام وايران.
واللعبة بالغة التعقيد. دمشق وطهران في حاجة الى موسكو لربح الحرب. وموسكو في حاجة الى واشنطن لربح السلام. وما كان ترتيب تسوية سياسية بين طرفين هما نظام ومعارضة صار برج بابل بين مكونات المجتمع من طوائف واتنيات وأحزاب ورجال ونساء. والأهم هو ترتيب التسوية في الاطار الاقليمي والدولي، حيث الحاجة الى تقاسم الحصص والنفوذ بين الدول والقوى التي شاركت في الحرب.
والثابت هو تقاسم الحصص والنفوذ والأرض كأمر واقع، لا أحد يعرف الى متى يستمر والى ماذا يقود؟