Site icon IMLebanon

«فضيحة الكلية الحربية» إلى «اللفلفة»!

 

لُفلِفت فضيحة «الكليّة الحربية». أُخلي سبيل جميع الموقوفين من دون أن يُستجوب أيّ ضابط أو عسكري. مُنِع القضاء من الاستماع إلى ضباط يشغلون مناصب رؤساء اللجان المشرفة على امتحانات القبول في الكلية، ولم يُستجوب أيّ مسؤول عسكري يُشتبه في تورطه في فضيحة الرشوة والفساد هذه. لم يُعرف من قبض الأموال، ويكاد الملف يُقفل بذريعة أنّه فارغٌ من الأدلة

لم يكن مُتوقّعاً أن يُسدَل الستار على ملف بحجم فضيحة الكلية الحربية. فقيادة الجيش كانت قاطعة في شأن تورط المشتبه فيهم في تقاضي أموال لقاء تطويع تلامذة ضباط في الكلية. وهي افتتحت بيانها بهذا الشأن، عند اكتشاف الفضيحة، بعبارة «لدى توافر معلومات مؤكدة…»!

ورغم الغطاء السياسي للمتورطين، بدا أن قيادة الجيش جادة في فتح ملفات الفساد داخل المؤسسة، بعدما نالت ضوءاً أخضر من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وتعزز هذا الشعور بعد إلغاء قائد الجيش العماد جوزيف عون دورة مجنّدين فاحت منها روائح فساد، وبعدما أوقف ضابطٌ متقاعد في الأمن العام وستة مدنيين، فيما أكد قاضي التحقيق العسكري الأول رياض بو غيدا أنّه سيسير في الملف إلى النهاية كرمى لـ«دموع الأهالي التي ذُرِفت من أجل رؤية النجوم على أكتاف أبنائهم».

لهذا كله، كان متوقّعاً أن يكون مسار التحقيقات في فضيحة المدرسة الحربية مختلفاً، لا سيما بعدما تبيّن أن من يقف خلفها عسكريون ومدنيون عملوا على التوسط لدخول عناصر ورتباء وضباط إلى الجيش. لكن، بقدرة قادر، تغيّر كل ذلك بعدما وافق بو غيدا أمس على إخلاء جميع الموقوفين في الملف، مقابل كفالة مالية قدرها مليون ليرة، رغم أنّ المصادر القضائية كانت قد أكّدت أنّ الوقائع «ثابتة لجهة تورط المتهمين»، وأن بعضهم اعترف بما نسب إليه.

ترك هؤلاء بكفالة زهيدة يعني واحداً من أمرين: إمّا أنّ المظلة السياسية حالت دون استكمال التحقيق، فاستُضعف الموقوفون المدنيون ليُسجنوا خمسين يوماً بجنحة فقط، وكأنّ هؤلاء هم وحدهم المسؤولون، وإما أن الملف فارغ فعلاً. وفي الحالة الأخيرة، تطرح جملة أسئلة برسم قيادة الجيش والقضاء العسكري: هل يُعقل أنّ أجهزة التحقيق الأمنية والقضائية، بعدما ثبت أنّ الأهالي دفعوا أموالاً تجاوزت مئة ألف دولار، لم تعرف من قبضها؟! ألا يجتاز المرشحون خمس لجان من الضباط قبل قبولهم في الكلية الحربية؟ وماذا عن الضباط الستة في المجلس العسكري الذين يوقّعون على قبول إدخال التلميذ إلى الكلية؟ ولماذا لم يُسأل عن علامة قائد الجيش التي تعادل ٢٥٪ من المجموع؟ وهل يُعقل أن يكون ستة مدنيين وضابط متقاعد وحدهم المسؤولين، لا سيما أنّ الحديث عن تحديد تسعيرة لدخول العسكري والرتيب والضابط إلى السلك العسكري ليس جديداً؟ وهل يُعقل أن لا يكون هناك ضباط في صفوف المؤسسة العسكرية متورطين في القضية؟ ولماذا لم يُستدعَ أيّ من هؤلاء إلى التحقيق؟

الى ذلك، علمت «الأخبار» أنّ الرئيس سعد الحريري اتّصل بوزير العدل سليم جريصاتي طالباً منه ترك الموقوفين باعتبار «الملف فارغاً ومضى على توقيفهم قرابة خمسين يوماً»، فاتّصل الأخير بدوره بمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الذي وافق على إخلاء سبيل جميع الموقوفين، علماً بأنّ مصادر قضائية كانت قد أكّدت لـ«الأخبار»، صباح أمس، أنّ صدور القرار الظنّي سيُرجأ أسبوعاً إضافياً نتيجة توافر معلومات جديدة في الملف. هنا، أيضاً، تطرح أسئلة من نوع: لماذا انتظر القاضي اتصال وزير؟ وهل انتظار القضاء كلمة السر السياسية مرتبط بالتشكيلات القضائية؟ هنا يُصبح لزاماً طرح هذه التساؤلات: هل تم توقيف أحد الموقوفين بسبب قبض رشى أم لأنه «يُخلّص» معاملات رئيس الحكومة سعد الحريري في الدوائر الرسمية؟ وهل أوقف مدير مكتب جمعية المشاريع ر. ش. بسبب تورّطه في الرشى وعلاقته بقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير المخابرات كميل ضاهر أم لأسباب سياسية تتعلق باستقباله أحد سفراء الدول العربية؟

تجدر الإشارة إلى أنّ تيار المستقبل مارس ضغوطاً كبيرة لإقفال الملف، سعياً لإخراج أحد أبرز المشتبه فيهم في الفضيحة، الرائد المتقاعد من الأمن العام أحمد ج. وقد أوقف المذكور بعدما ادّعى أحد الشهود، وهو والد تلميذ ضابط في الكلية الحربية، أنّه نقد الرائد المتقاعد مبلغ ٦٠ ألف دولار جراء ضمانة تخرّج ابنه برتبة ضابط. كذلك ذكر أحد آباء التلامذة الضبّاط أنّه دفع ٢٠٠ ألف دولار لقريبه ليدفعها للموقوف ر. ش.، لكنّ الأخير أصرّ على إنكاره.