IMLebanon

الحرب تُحيي مشاريع مجمّدة… والشارع في “الإحتياط”

 

لا يقتصر عجز لبنان الرسمي أمام «شبح» الحرب مع اسرائيل على عدم سيطرة الدولة على قرار الحرب والسلم، وتحوُّل حكومة تصريف الأعمال إلى «محاور» لـ»حزب الله» لحضّه على عدم الانخراط في الحرب الاسرائيلية – الفلسطينية في قطاع غزة أو ناقلة للرسائل والتحذيرات الخارجية لـ»الحزب» على هذا المستوى. العجز يتمثّل أيضاً بعدم إمكانية الدولة التي «تتحلّل» إداراتها ومؤسساتها منذ العام 2019 على الأقل، كأحد انعكاسات الأزمة المالية – الاقتصادية، فلا قدرات لوجستية ولا اكتفاء ذاتي ولا بنى تحتية ولا استراتيجيات ولا تحضيرات ترتقي إلى مستوى خطر الحرب والدمار الذي تخلّفه حجراً وبشراً.

 

«حزب الله» يملك قرار إدخال لبنان في حرب قد تكون كالسيناريو المفجع الذي يُنفّذ في غزة. لكن ما لم يملكه «حزب الله»، إمكانية حماية اللبنانيين أو تأمين مقومات الصمود لهم أو القدرة على إعادة الإعمار. أمام هذا العجز يعيش اللبنانيون قلقاً مضاعفاً لن يتوقف طالما أنّ العملية الاسرائيلية في قطاع غزة مستمرّة وستطول إلى أمد غير معروف، وبالتالي يبقى احتمال جرّ لبنان إلى هذه الحرب قائماً، سواء عبر انخراط «حزب الله» فيها إذا استدعت المعركة ذلك، أو بفرضها على «الحزب» عبر عدوان إسرائيلي يتخطّى «قواعد الاشتباك».

 

إحتمال الحرب الذي ارتفعت نسبته إثر عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الجاري، غيّر الأولويات اللبنانية والطروحات السياسية والمطالب الشعبية. فإذ كان يطغى الاستحقاق الرئاسي وملف النزوح السوري على المشهد اللبناني، طفت أخيراً على سطح الاهتمامات، ربطاً بالتخوف من حربٍ لا يتحملها لا لبنان ولا اللبنانيون، موضوعات قديمة – مستجدّة، من الاستراتيجية الدفاعية وسلاح «حزب الله» إلى اللامركزية الموسّعة وما بينهما إنشاء مطار ثانٍ وتفعيل المرافئ وصلاحيات البلديات وإمكانياتها ومحاربة الفساد الذي نخر الإدارة العامة إلى حدّ التفكك. ذلك بالتوازي مع طرح العلاقات بين القوى السياسية وتأثيرها وإمكانية منح حكومة تصريف الأعمال صلاحيات استثنائية لمواكبة مرحلة «ما قبل» الحرب أو خلالها إذا فُرضت بأي طريقة.

 

اللامركزية الإدارية المالية الموسّعة لا تمنع جرّ لبنان إلى حرب، لكنها لو كانت مُطبّقة لكانت أمّنت إمكانيات لمجالس الأقضية أو للسلطات المحلية، بما يجعلها فاعلة أكثر في التحضير لاحتمال الحرب، تمويناً واستشفاء وتأميناً لمقومات الصمود محلياً. أمّا الاستراتيجية الدفاعية التي تحصر قرار الحرب بالدولة فكانت منعت أخذ اللبنانيين إلى خيارٍ يرفضونه.

 

بالنسبة إلى الحكومة، ولمواكبة هذه المرحلة، يمكنها أن تجتمع دستورياً، ولم يعد من معنى لأي غطاء ميثاقي أو غيره، وها هي تجتمع على رغم مقاطعة وزراء وتتخذ قرارات، بحسب جهات سياسية، إلّا أنّ أقصى ما يمكنها القيام به «هو تسوّل» المساعدات الخارجية، علماً أنّ موقف حزب «القوات اللبنانية» يختلف عن موقف «التيار الوطني الحر» من اجتماعات مجلس الوزراء، فـ»التيار» ضدّ عقد جلسات لمجلس الوزراء بالمطلق في ظلّ الفراغ الرئاسي، فيما موقف «القوات» يؤيّد اجتماع الحكومة وفق الدستور، أي عند الضرورة وفي الحالات الاستثنائية، ضمن جدول أعمال مقتصر ومقيّد. وبالتالي، وبما أنّ حالة الحرب تستدعي أن تلتئم الحكومة وتجتمع لمواجهة أي أمور طارئة وتهيئة الوضع اللبناني واعتماد سياسة ديبلوماسية واجتماعية واقتصادية ومالية للمواجهة، بات «عذرها» معها للاجتماع.

 

أمّا بالنسبة إلى منح الحكومة أي صلاحيات استثنائية، وبمعزل عن عدم عقد جلسات لمجلس النواب والاجتهادات الدستورية المضادة، تقول مصادر سياسية إنّ هذا «لزوم ما لا يلزم»، فلماذا تحتاج إلى صلاحيات طالما لا يمكنها أن تمنع الحرب أو تلجم «حزب الله» أو حتى تأمر الجيش بالسيطرة جنوباً وبتولّي مهمة الدفاع عن لبنان إذا حصلت الحرب؟ وتشير إلى أنّ أفضل وأدق تعبير عمّا يعيشه لبنان الآن، استخدمه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي سأل: هل قرار الحرب لدى الحكومة؟ وتعتبر مصادر سياسية معارضة أنّ الدولة كلّها في ظلّ خطف القرار داخل البلد تتصرّف كإدارة محلية للسياسة في لبنان. فقرار الحرب في طهران وليس في بيروت، والحكومة غير قادرة حتى على إغلاق حدود ومعابر غير شرعية.

 

وترى هذه المصادر أنّه بدلاً من أن تصبح قاعدة «حزب الله»: «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، المطلوب الآن، انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المواصفات السيادية الإصلاحية واللائحة التوافقية، وبعدها حصر قرار الحرب بالدولة اللبنانية. هذا على مستوى الطروحات، أما واقعياً فلا قدرة الآن على فرض أي طرح، وتتركز الجهود على محاولة منع الحرب.

 

لذلك تبرز دعوات شعبية للنزول إلى الشارع تحت عنوان: «لا للحرب». بالنسبة إلى جهات معارضة، كلّ الأفكار خاضعة للدرس والتفكير، ومن بينها التظاهر، إنّما مع اقتناع بأنّ الفريق الذي يمكن أن يأخذ اللبنانيين إلى الحرب، لا يمكن أن يوقفه أحد، وتجربة حرب تموز 2006 تثبت ذلك. فضلاً عن أنّ «الشارع» سيف ذو حدين، إذ قد يستخدمه الفريق الآخر بما يُدخل البلد في مشكلة أخرى. على رغم ذلك، يجب بحسب الجهات المعارضة، التفكير بكلّ ما يضغط للتعبير ضد الحرب، وذلك تحت عنوان الموقف الواضح من القضية الفلسطينية، إنّما في الوقت نفسه مع أولوية «حفظ سلامة لبنان واللبنانيين».