تمر الشعوب احيانا بظروف خطرة تمسّها بكيانها ومصيرها ووجودها، فتهب فئة من الشعب وتحمل السلاح وتقاتل على الجبهة، التي تعتبر ان الحرب على بلادها ستحصل من هذه الجبهة.وليس من المفروض ان توافقها فئات اخرى في شن هذه الحرب، لان الانقسام عامل طبيعي احيانا في بلد مثل لبنان، متعدد الطوائف والمذاهب والثقافة واللغات والتاريخ، الذي قد لا يكون تاريخا واحدا.
وهذا ما حصل مع حزب الله والمقاومة التابعة له، حيث بعد عملية طوفان الاقصى في 7 اوكتوبر، بدأ حزب الله في الثامن من اوكتوبر بحرب مساندة على جبهة شمال فلسطين، وحصلت ولا تزال الحرب قاسية جدا بينه وبين جيش الاحتلال الاسرائيلي، وتصاعد القتال حتى وصل الى انواع الصواريخ الثقيلة مثل صواريخ البركان والصواريخ المضادة للدروع وصواريخ اخرى، من طراز غراد التي يستعملها حزب الله ضد المواقع» الاسرائيلية».
اما جيش الاحتلال فيستعمل مدافع الدبابات الحديثة والمدافع الميدانية من عيار 155 ملم، كذلك يشن غارات جوية بطائرات حديثة، ويستعمل صواريخ مدمرة، وقد اصيبت البلدات الحدودية بدمار كبير في جنوب لبنان، كما ان المستوطنات «الاسرائيلية» في شمال فلسطين المحتلة اصيبت باضرار كبيرة جدا، ونزح منها عشرات الآلاف من السكان الى داخل فلسطين المحتلة، كما نزح من جنوب لبنان عشرات الآلاف من المواطنين اللبنانيين الى الداخل اللبناني بعيدا عن جبهة القتال.
لو اردنا البحث في ما يطلبه البعض عن ان قرار الحرب يجب ان يأخذه مجلس الوزراء، لكنا وقعنا في المحظور، لان وزير الحرب «الاسرائيلي» غادي ايزينكوف صرح مع وزراء آخرين في المجلس ، ان «اسرائيل « منعت حربا استباقية على لبنان، واعتبر ايزينكوف انه لو تم شن هذه الحرب فهذا سيشكل خطأ استراتيجيا.
فلو شن العدو الاسرائيلي هذه الحرب في الثامن من اوكتوبر، ولم يكن حزب الله مستعدا، لكان العنصر المفاجئ للعدو الاسرائيلي انه استطاع تحقيق بعض الانتصارات التي كان على المقاومة لاحقا ان تصدها وتشن حربا مضادة.
والسؤال هو: هل ان الفكر الصهيوني يؤمن بالوسائل الديبلوماسية او يؤمن بشن الحروب الغادرة، ولا يفهم الا بلغة الحرب؟ والدليل على ذلك انه في عدوان تموز 2006 اثر خطف اربعة جنود «اسرائيليين» كان باستطاعة الديبلوماسية حل الموضوع، وكان تم تبادل الاسرى «الاسرائيليين» مقابل اسرى لبنانيين كانوا في السجون «الاسرائيلية»، لكن العدو اختار طريق الحرب التي استمرت 33 يوما، وقصف مجمل الاراضي اللبنانية.
الا ان المقاومة دافعت ووقفت ضد جيش الاحتلال، والحقت به خسائر كبيرة اهمها ما سمي بمجزرة الدبابات، لكن الطيران «الاسرائيلي» استطاع تدمير الكثير من البنى التحية في لبنان.
لذلك فان الوسائل الديبلوماسية لا يؤمن بها العدو الاسرائيلي، بل يؤمن بالحروب، والذين يدعون الى التعاطي مع العدو الاسرائيلي بالوسائل الديبلوماسية يغيب عن بالهم، ان هذا العدو لا يفهم بالوسائل الديبلوماسية، والدليل على ذلك قرار محكمة العدل الدولية حيث رفضه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وقال عنه انه قرار شائن، كما صرح بقية الوزراء «الاسرائيليين» وكل القيادات المعتدلة، بان هذا القرار غير عادل ولا قيمة له.
على افتراض ان مجلس الوزراء اجتمع وبحث في قضية الحرب على الحدود اللبنانية – «الاسرائيلية»، فان اكثر من نصف الوزراء تقريبا كانوا سيؤيدون الحرب، دون ان يُحدد موقف وزراء التيار الوطني الحر، لكن وزراء الثنائي الشيعي حركة امل وحزب الله ووزراء تيار المردة كانوا سيؤيدون الحرب، اما بقية الوزراء من ممثلي اللقاء الديموقراطي فقد يغيبون عن التصويت، لكن الامر غير واضح. لكن اتجاه مجلس الوزراء سيكون داعما لحزب الله ضمن افتراض معقول، خاصة ان القوات اللبنانية ليس لها وزراء في الحكومة، وايضا حزب الكتائب والنواب التغييرين والمستقلين ، وهؤلاء لو كانوا مشتركين في الحكومة، لكان من غير الممكن اصدار قرار الحرب عن مجلس الوزراء، وكان سيؤدي ذلك الى انقسام وزاري كبير، ويتم شل السلطة التنفيذية.
اما الآن فهنالك انقسام عمودي شعبي بين احزاب تؤيد الحرب، واحزاب لا تؤيدها، وهنالك احزاب لا تريد توسيع الحرب على مستوى لبنان.
وفي مطلق الاحوال، رغم قصف العدو الاسرائيلي للضاحية الجنوبية، حيث تم اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاق له، حيث اجتاز جيش العدو الاسرائيلي الخط الاحمر بقصفه للضاحية الجنوبية، الا ان حزب الله لم يقم بتوسيع رقعة الحرب، وقال ان الميدان هو الذي سيقرر. وقصد حزب الله من خلال الميدان، جبهة الجنوب مع جبهة شمال فلسطين.
وحتى اليوم ما زالت هذه الحرب تدور في الميدان الذي حدده حزب الله، رغم ان جيش الاحتلال يجتاز كل مرة قواعد الاشتباك، ويقوم بقصف ابعد من الحدود بعشرين كيلومترا، واكثر يقوم باغتيال اشخاص داخل ابنية، او يقتل مسؤولين في المقاومة داخل سياراتهم بعيدا عن الجبهة، وهم ليسوا في وضعية قتال.
يجب ان نعرف ان عملية طوفان الاقصى استغلها العدو الاسرائيلي على اساس انها طالت نساء واطفالا ومسنين، لكن الذي يدرس وضع قطاع غزة والحصار عليه يبرر هذه العملية، ويقول انه كان لا بد منها لان الحصار كان خانقا على شعب غزة البالغ عددهم حوالى المليونين واربعمئة الف نسمة.
انما لا يمكن تبرير ما يقوم به جيش العدو الاسرائيلي من ابادة جماعية وجرائم حرب ضد الانسانية، عبر قتل اكثر من 26 الف شهيد من الشعب الفلسطيني وجرح اكثر من 65 الف مواطن فلسطيني مدني، 70 بالمئة منهم من النساء والاطفال ويقطع عنهم المساعدات الغذائىة والادوية، ويدمر 90 بالمئة من المستشفيات في قطاع غزة.