بينما يجتمع قادة العالم في نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، نسمع كثيرا عن الشباب والإرهاب.
ومن السهل فهم السبب؛ إذ أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع هذا الأسبوع بانضمام 30 ألف متطوع جديد إلى التنظيمات المتطرفة في سوريا العام الماضي. وفي جميع أنحاء العالم الغربي، تكافح وكالات إنفاذ القانون من أجل رصد الشباب الذين يصيرون متطرفين على غرف الدردشة المشفرة، والذين قد يشنون هجمات «الذئاب المنفردة» ضد المدنيين.
ولا داعي للقلق؛ فالرئيس الأميركي باراك أوباما يحاول حل المشكلة. وقد استضاف أوباما مؤخرا قمة لزعماء العالم، للترويج لأجندته في «مكافحة التطرف العنيف». ووفقا لسارة سيوال، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن قمة التطرف طموحة جدا؛ لأنها لا تركز فقط على مواجهة الخطاب الذي يستخدمه الإرهابيون لجذب الشباب إليهم، وإنما أيضًا تقترح كيفية معالجة المظالم الكامنة التي تجعل بعض الشباب عرضة للتجنيد.
وفي خطاب ألقته في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا الأسبوع الماضي، أوضحت سيوال أن استراتيجية مكافحة التطرف العنيف سوف تعالج الفساد، ونقص الفرص الاقتصادية، والافتقار إلى حقوق الإنسان، وحتى سوء المعاملة على أيدي قوات الأمن التي تحارب الإرهاب ظاهريا. وأشارت سيوال إلى التسلسل الهرمي الذي وضعه عالم النفس أبراهام ماسلو للاحتياجات البشرية، قائلة: «يدفع نهج مواطن الضعف والتعرض المشتركة (CVE) استراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب بشكل أقرب من تعزيز حقوق الإنسان والاحتياجات البشرية. كما أن عملنا على مواطن الضعف والتعرض المشتركة يعزز احترام وحماية ودعم حقوق الإنسان؛ بما يحسن الأمن على المدى الطويل».
وفي ظل هذه المهمة واسعة النطاق، ندرك أن البرامج العملية تستهدف العالم أجمع. وهذا يتضمن – على سبيل المثال – بذل جهود في إندونيسيا للترويج للموسيقى الشعبية التي تشجع المراهقين على رفض الراديكالية. ويستلزم أيضًا رفض تطرف جماعة الإخوان المسلمين. والأهم من ذلك كله هو تعزيز مبادرة وزارة الخارجية الأميركية الجديدة بشأن انعقاد مؤتمرات في جميع أنحاء العالم ليسمع فاعلو الخير والبيروقراطيون بعضهم بعضا ويتشاركوا الأفكار حول إنقاذ الشباب من التطرف.
أخبرني أحد مسؤولي وزارة الخارجية بأن المبادرة جامعة. وتحصل بعض الدول على موافقة الإدارة الأميركية ضمنيا على شن حملة قمع ضد الإرهابيين – وهذا النوع من الموافقة يقوي الإرهابيين الذين يريد أوباما مكافحتهم. وقال نيل هيكس، المدير المختص بشؤون تعزيز حقوق الإنسان بمنظمة «هيومان رايتس فيرست»: «نخشى أن تبدي الحكومات وعودا بمكافحة التطرف العنيف، دون أن تضع ضمانات لحقوق الإنسان». وكرر بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، المقلقات ذاتها، قائلا: «سمعنا خطابا جيدا من البيت الأبيض، لكن المشكلة هي عدم وجود إرادة سياسية للتنفيذ».
وتكمن مشكلة استراتيجية إدارة أوباما الواسعة ضد التطرف في أنها واسعة للغاية؛ فهي تهدف إلى معالجة الكثير من المشاكل، وسينتهي بها الحال من دون معالجة أي منها.
ورغم أن خطة أوباما واسعة للغاية، فإنها في الوقت ذاته ليست طموحة بما فيه الكفاية؛ حيث كان المحرك الرئيس للمتطرفين خلال السنوات الأربع الماضية، هو حدوث مجازر في سوريا، وتدفع الحرب الدائرة هناك الشباب إلى التطرف بشكل متزايد.
ويقتل الديكتاتور السوري بشار الأسد – بدعم من إيران وروسيا – شعبه بلا رحمة؛ فيقصفهم بالبراميل المتفجرة، ويهاجمهم بالغاز السام، ويجوعهم. وصدمت هذه الفظائع المستمرة وجدان العديد من شباب المسلمين الذين يريدون وقف ذلك، فيما يقف العالم عاجزا عن فعل شيء.
ويعتبر تنظيم داعش هو الأكثر فعالية في تجنيد مقاومة للنظام السوري. ومنذ أن بدأ الأسد حربه المروعة، أعلن التنظيم عن إقامة الخلافة المزعومة، والتي كانت في البداية في سوريا وحدها، والآن في مساحات شاسعة من العراق أيضًا. وهذا يأتي – في جزء منه – نتيجة استراتيجية الأسد الجديدة لاستهداف المقاتلين الأكثر اعتدالا في حملته ضد شعبه. وأعطى زخم «داعش» في مواجهة الخطاب السقيم لزعماء العالم الانطباع بأن التاريخ يقف إلى جانب هؤلاء البرابرة. وقد نجا «داعش»، فيما سقطت التنظيمات الأخرى.
منذ عام 2011 يدعو أوباما الأسد إلى التنحي. وشن أوباما العام الماضي حربا جوية ضد «داعش» في كل من العراق وسوريا، وذلك دون أن يلتزم بالموارد السياسية أو العسكرية اللازمة لخلق خيار ثالث بين الأسد و«داعش». ويعد برنامج الولايات المتحدة لتدريب الجيش السوري الحر مجرد مزحة؛ لإخفاقه حتى في تدريب سَرِيَّة من المقاتلين. وينتهي الحال بالأسلحة الأميركية للسقوط في أيدي تنظيم القاعدة.
وفي ظل الفراغ الناجم عن الحرب الدائرة في سوريا، ترسل روسيا الآن كميات غير مسبوقة من الأسلحة والجنود إلى سوريا لإنقاذ الأسد، ومقاتلة عشرات الآلاف من المتطوعين المنضمين للتنظيمات المناهضة له. وأطلقت إيران مبادرتها الخاصة التي أطلقت عليها اسم «العالم ضد التطرف العنيف» (WAVE).
وبهذا المنطق، يكافح المتطرفون العنيفون بعضهم بعضا – لكن في عملية من شأنها خلق متطرفين أكثر عنفا. ولا شك في أن أوباما يرغب في إنهاء هذه الحلقة الفظيعة بصدق، غير أن كل ما يقدمه مجرد كلمات فارغة، ومؤتمرات تعقدها وزارة الخارجية الأميركية بهدف معالجة مظالم المراهقين الساخطين.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»