IMLebanon

استحقاقان يحدّدان اتجاه الحرب!؟

 

نقيب محرري الصحافة

فيما تستمر إسرائيل في انتهاج سياسة الأرض المحروقة، وتستكمل إزالة كل المعالم العمرانية في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، فالبقاع الشمالي، الأوسط والشرقي، مروراً ببلدات عدة في جبل لبنان والشمال، وحتى غرب بيروت، حاصدة آلاف القتلى والجرحى في صفوف المواطنين، قبل أولئك التي تدّعي انّهم مقاتلون وحزبيون، تتكثف الاتصالات الدولية على أعلى المستويات، وخصوصاً في باريس التي استضافت مؤتمراً في عاصمتها لدعم وطن الأرز في محنته التي لم يشهد مثيلاً لها طوال تاريخه الحديث.

لكن على ما يبدو لا وقف قريباً لإطلاق النار لأنّ بنيامين نتنياهو يرفض ذلك، متحصناً بتأييد أركان حكومته الأقل تطرّفاً قبل غلاتهم، لأنّهم يجدون الفرصة مؤاتية – بحسب ما يدّعون – للقضاء على «حزب الله» وتبديل موازين القوى في الداخل اللبناني لتجريده من قوته العسكرية، والثنائي الشيعي من فاعليته السياسية. ومن هنا كان الردّ الناري غير المسبوق الذي أعقب مغادرة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي لم يستطع أن ينتزع من لبنان الرسمي سوى التعهد بقبول وقف إطلاق النار، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 و»نقطة على السطر». وحتى لم يتمكن من انتزاع موافقة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل استمرار الأعمال الحربية، والضغط بالنار الذي تمارسه تل أبيب على نحو جنوني، ضاربةً عرض الحائط بالقرارات والمواثيق الدولية، والطلبات والمناشدات بالكف عن سياسة القتل والتدمير. لبنان رفض الدمج بين القرارين 1701و1559، لأنّ لهذا الأمر إن حصل، تداعيات على الداخل قد تمهّد لفتنة داخلية. ومن هنا إصرار رئيس المجلس النيابي بمؤازرة رئيس الحكومة على رفض الحديث عن القرار الرقم 1559 تحاشياً لصدام يزيد الوضع خطورة، ويدفع لبنان اكثر فأكثر إلى الهاوية. ويقول ديبلوماسي عربي إنّ «حرب الإسناد لغزة» هي القميص الذي لوّح به نتنياهو لإعلان حربه الشاملة على لبنان، وتنفيذ خطته التي يؤكّد محللون موضوعيون أنّ تل أبيب أعدّت لها بعناية منذ العام 2006 انتقاماً لما حلّ بها على يد المقاومة في لبنان العام 1982 وما تلاه، والعام 2000 الذي شهد انسحاب جيشها بلا قيد او شرط، والعام 2006 عندما فشل في الإجهاز على «حزب الله» متكبّداً خسائر فادحة. وقد قدّر الحزب أنّ نتنياهو سيرتد على لبنان فور انتهاء حربه على غزة، وأنّ ما قام به كان عملية استباقية لإحباط الخطة المبيتة له. لكن هذه الحرب تحولت في الداخل مادة خلافية عندما انبرت قوى سياسية جاهرة معارضتها لها، ومحذّرة من نتائجها، وأنّ بعض هذه القوى ليست على خصومة مع الحزب، بل كانت على علاقة تحالفية معه إلى ألامس القريب. لكن الحرب وقعت، وإسرائيل تخطّت كل الخطوط الحمر، واستخدمت المحظور وغير المحظور من الاسلحة، وفتكت بالمدنيين والمقاتلين على حدّ سواء، وأطاحت القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والانسانية، وتعمّدت الإجرام متكئة على مخزون هائل من الأسلحة سخت به الإدارة الاميركية، ودعم دولي خصوصاً من بريطانيا والمانيا الاتحادية وسواهما من دول غربية، وسط صمت عربي مريب باستثناء قلّة من الدول.

وفي أي حال لا يمكن التطرّق إلى الحرب الدائرة من دون تسجيل آلاتي:
أ – إنّ إسرائيل نجحت بفضل تفوقها الاستخباراتي، والتكنولوجي، واستخدامها الذكاء الاصطناعي، وزرعها لشبكات العملاء أن تكوّن «الداتا» التي مكّنتها من تحقيق ضربات أدّت إلى إستهداف قيادات «حزب الله» وكادراته وعدد من بناه والمراكز الخدمية. وبطبيعة الحال لا ينكر أحد عليها تفوقها الجوي الذي أنتج هذا الدمار الواسع.
ب – إنّ سياسة التدمير الممنهج أدّت الى التهجير القسري لما يزيد على المليون لبناني، وفي يقين نتنياهو أنّ هذا التهجير سيفجّر لبنان من الداخل ويدفع إلى صدامات ذات طابع طائفي، يخرج منها لبنان اكثر إنهاكاً، ممّا يسهّل عليها إلزامه بدفتر شروطها والترتيبات التي تريدها على جانبي الحدود.
ج – حتى الساعة لم تفلح إسرائيل في القضاء على منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة التي لا تزال قادرة على إمطار شمال اسرائيل، وحيفا وتل ابيب وغلافها بصليات من الصواريخ الدقيقة، والبعيدة المدى، الكلاسيكية والباليستية، وإصابة العديد من الأهداف العسكرية والحيوية وإيقاع القتلى والجرحى في صفوف العسكريين والمدنيين.
د – على رغم من الدمار الكبير والخسائر التي حلّت بالحزب وبيئته، فإنّ الحرب الحقيقية هي الحرب البرية التي تحسم المعركة وتمكّن الرابح من إعلان انتصاره وفرض شروطه، أو الحفاظ على وضعيته الميدانية. وحتى الساعة لم يحقق الجيش الإسرائيلي أي تقدّم يُذكر في الجنوب، وهو الذي يسعى إلى التوغل بعمق 5 كيلومترات لدفع الحزب إلى ما وراء جنوب الليطاني والتمركز فيه إلى أن تحين ظروف الحل الذي تضطلع وقائع الميدان بدور واسع في تحديد ملامحه. أي انّ إسرائيل التي يسرح طيرانها في سماء لبنان حاملاً الموت والدمار، يعجز جيشها في الميدان عن تحقيق إنجازات يعتد بها.

في اختصار، تل أبيب لم تنتصر على رغم ما حققته من اغتيالات وتدمير في مواجهة «حزب الله»، والأخير لم ينهزم طالما هو ثابت على ارض المعركة، وقادر على إطلاق الصواريخ على الدولة العبرية. إنّ المواجهة مستمرة في غياب الحلول السياسية، وانتفاء عامل الحسم إلى الآن. والسؤال: إلى متى؟ يقول أحد الخبراء العسكريين إنّ الحسم العسكري اذا كان ممكناً،لا يستطيع أن يقدّم حلاً، ولكن أين سيُستثمر، وكيف إذا كان الهدف منه فرض شروط على طرف رئيس في الوطن، لكن في حالة لبنان راهناً، فإنّ ثمة استحقاقين يضيئان على ما ستتّجه اتجاه الامور:
ـ الأول: الانتخابات الأميركية وطريقة تعامل الإدارة الجديدة مع ملف الحرب على غزة ولبنان.
ـ الثاني: الردّ الإسرائيلي المتوقع على إيران: حجمه، حدوده، وتداعياته وطريقة تعامل الجمهورية الإسلامية الإيرانية معه. وهل يكون هذا الحدث باباً لحل شامل في المنطقة، أو مدخلاً للإنفجار الكبير؟