Site icon IMLebanon

جهود الدبلوماسية الأوروبية نجحت في تخفيف مخاطر الإنزلاق للحرب ولكن الحسابات الخاطئة قد تطيح بالحؤول دون الحرب الشاملة

 

نجحت الدبلوماسية الأوروبية عموما والفرنسية خصوصا في منع انزلاق الحرب في غزّة والجبهة التي افتتحها حزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل الى حرب شاملة وربما الى حرب عالمية ثالثة، ولكنّ «هذه الحالة غير مضمونة الاستمرار» كما يقول دبلوماسي فرنسي.

توجت زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الى لبنان منتصف آب الجاري مساع حثيثة تم ّبذلها من قبل فرنسا تحديدا فبالإضافة الى أنها ثالث زيارة لسيجورنيه الى لبنان، وقد سبقتها زيارتين اثنتين لوزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا في ما يخص جبهة جنوب لبنان مع اسرائيل.

 

وهنا لا بدّ أن نحتسب أيضا الحراك الرئاسي في ما يختص بإنتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية للموفد الرئاسي الفرنسي جان-إيف لودريان والتي بلغت زياراته الى لبنان الـ7 منها اثنتان فقط منذ 7 أكتوبر الفائت، تاريخ اندلاع الحرب في غزّة بعدما نالت الحرب الدائرة في جنوب لبنان والتي افتتحها «حزب الله» في 8 أكتوبر الماضي واسماها «حرب الاسناد» كل الاهتمام الأوروبي، ولا سيما في ظلّ وجود 11 ألف جندي جلهم من الأوروبيين في إطار قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» بينهم 700 جندي وضابط فرنسي و1100 جندي وضابط إيطالي.

بذلت فرنسا جهودا حثيثة من أجل رسم إطار التفاوض الذي سيعقب انتهاء الحرب في جنوب لبنان، وقدّمت ورقتين اثنتين في هذا الخصوص الى الحكومة اللبنانية، وقد رفض «حزب الله» قطعا التفاوض حول اية تسوية حدودية تطمئن المستوطنات الاسرائيلية التي تهجر سكانها بسبب القصف الى الداخل الاسرائيلي وذلك من دون وقف إطلاق نار تام ودائم في غزّة. علما أنه في مقابل انتقال قرابة الـ100 ألف مستوطن من منازلهم في المستوطنات الجنوبية الى الداخل الاسرائيلي، فإن قرابة المئة ألف لبناني من جنوب لبنا نزحوا الى الداخل اللبناني بفعل القصف الاسرائيلي. في هذا السياق المتفجر، لم يوقف الفرنسيون لم المشاورات والاستشارات لبلورة إطار محدد للمفاوضات اللاحقة بعد أن تتوقف العمليات العسكرية، وقد تفوقوا بذلك على حراك نظرائهم الاوروبيين وخصوصا الالمان وايضا البريطانيين بفعل ان فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تتحدث الى «حزب الله» مباشرة.

 

لم تبقَ الاتصالات الفرنسية على مستوى السفارة في بيروت وزيارة وزراء الخارجية المتكررة، بل قادها بشكل مباشر الرئيس الفرنس إيمانويل ماكرون شخصيا.

 

منذ بداية الأزمة قام الرئيس ماكرون باتصالات رفيعة وخصوصا بعد ضرب الصواريخ الإيرانية على اسرائيل في نيسان الفائت عقب قصف اسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، ولكن ايضا بعد الضربة الاسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت في 31 تموز الفائت، وكذلك اغتيال اسماعيل هنية في ايران. شملت اتصالات ماكرون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الايراني السابق الذي قضى بحادث مروحية ابراهيم رئيسي والرئيس الايراني الجديد المنتخب مسعود بزشكيان وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وحاكم الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وعلى المستوى اللبناني شملت اتصالات الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وقد أقيمت هذه الاتصالات على صعيد عال.

تحرك فرنسا إذن جاء على مستوى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون وعلى مستوى وزراة الخارجية الفرنسية وسفارة فرنسا في لبنان والنقاشات الدائمة للسفير هرفيه ماغرو مع الاطراف المعنيين لبنانيا بما فيهم حزب الله، وبعد الزيارة الاخيرة للجنة الخماسية لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة الخاصة بحزب الله قال رئيس الكتلة النائب محمد رعد لمحدثيه بأن حزب الله يمكنه فصل الاستحقاق الرئاسي اللبناني [لبنان بلا رئيس منذ تشرين الثاني 2022] عن جبهة غزة، ولكن ذلك لم يحصل لغاية الآن. وبحسب المعلومات الدبلوماسية الفرنسية فإنه من المتوقع عودة اجتماعات اللجنة الخماسية [تضم: فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية، قطر ومصر] وعودة الموفد الفرنسي جان-ايف-لودريان ابتداء من أيلول\سبتمر المقبل.

 

بالعودة الى جبهة جنوب لبنان وامكان انزلاق لبنان الى حرب شاملة تشمل سوريا والعراق واليمن وايران بعد تهديد حزب الله وطهران بردّ ساحق على اسرائيل لأنها اعتالت هنية ولأنها قصفت ضاحية بيروت الجنوبية للمرة الأولى منذ 18 عاما واغتالت القائد العسكري العام لحزب الله فؤاد شكر في 31 تموز الفائت، فإن فرنسا ودول أوروبية عدة أوصلت فكرة رئيسية  الى مختلف الاطراف في لبنان واسرائيل بأن الخيار الدبلوماسي لا يزال قائما بمعنى أنه بعد ايقاف العمليات العسكرية يمكن ايجاد إطار معيّن لإرساء سلام مستدام على الحدود الجنوبية للبنان، على الخط الأزرق . إن الرد الأول لإيران في نيسان الماضي إستوجب تدخلا من الجيش الفرنسي لحماية مواقعه في الاردن والامارات أو في المنطقة إجمالا بحيث تصدّى للصواريخ الإيرانية التي سقطت على اسرائيل وطلب الاردن رسميا من فرنسا تأمين الاجواء في الاردن.

بعد الإغتيالين في إيران والضاحية الجنوبية ليبروت بذلت فرنسا جهودا ايضا وطلبت من كل الاطراف التريث وضبط النفس. « كان ذلك نافعا، ولكن هذا لا يعني أن الأمر سيبقى مستداما وفعّالا  ولا تدّعي الدبلوماسية الفرنسية ولا الأوروبية أنها قادرة على لجم اي ردّ عتيد يقرره أحد الطرفين». بعد زيارته الاخيرة الى لبنان منتصف آب الحالي انتقل الوزير سيجورنيه ونظيره البريطاني ديفيد لامي الى تل أبيب لإجراء مشاورات مع المسؤولين الاسرائيليين. كانت الصورة لافتة للدبلواسيين الاثنين.

«إنها فكرة التضامن» يقول الدبلوماسي الفرنسي لموقعنا. مضيفا:«صحيح أنه يوجد فارق بين الدبلوماسية الفرنسية والبريطانية بحكم خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، ولكن الفكرة كانت الإظهار أنه يوجد موقف موحّد على المستوى الأوروبي دعما للموقف الأميركي».

تنبغي الاشارة الى أنه بعد زيارة سيجورنيه التي نجحت لغاية اليوم في كبح الحرب الشاملة، فقد أعلنت شركتا الطيران الفرنسية «آر فرانس» و«ترانسافيا» استئناف رحلاتها الى بيروت وهي كانت توقفت في 31 تموز. كذلك اعلنت شركة الطيران الاوروبية لوفتهانزا انها ستعود الى المنطقة في 26 آب الجاري.

لقد نجحت الدبلوماسية الأوروبية لغاية اليوم في احتواء الحرب الاقليمية والانفجار على صعيد الإقليم، ولكن هذا لا يعني أن شيئا ما لن يحدث! «أدت المساعي الى منع تفاقم الأمور، لكن أية حسابات خاطئة من أية جهة قد تؤدي الى الوضع المتأزم والخطر ذاته» بحسب توصيف الدبلوماسي الفرنسي.

ماذا تضمنت الورقة الفرنسية؟

وكانت فرنسا، قدمت ورقتين اثنتين لحل الازمة الحدودية مع اسرائيل، تتضمن اخلاء السلاح من جنوب الليطاني، واقامة منطقة خالية من السلاح ومن وجود حزب الله تمتد بين 8 الى 10 كلم داخل الاراضي اللبنانية على أن ينتشر فيها الجيش اللبناني. وجرت مفاوضات مع قائد الجيش جوزاف عون في واشنطن حول الموضوع الذي يستلزم تجنيد قرابة الـ10 آلاف جندي جديد ما يتطلب مبلغ مليار دولار أميركي، فيما تتولى عناصر قوات اليونيفيل الدوريات المعتادة. ومن الاقتراحات التي قدمتها بريطانيا بناء ابراج مراقبة على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة شبيهة بتلك المنتشرة على الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا. ويرفض حزب الله لغاية اليوم اي اقتراحات او اي تسوية أو اي حوار قبل وقف اطلاق نار دائم ومستدام في غزة.

وكان حزب الله قد بدأ في 8 اكتوبر الماضي عقب عملية طوفان الاقصى التي بدأتها حركة حماس في غزة في 7 اكتوبر 2023  بجبهة اسناد لغزة من جنوب لبنان، أدت الى سقوط قرابة الـ400 شهيد في صفوفه وعدد من المدنيين والى دمار شمل قرابة الـ20 بلدة جنوبية ونزوح قرابة الـ100 ألف لبناني، والأمر سيان في شمالي اسرائيل حيث غادر المستوطنون الى الداخل الاسرائيلي هربا من استهداف حزب الله الذي يرد على النيران الاسرائيلية ضمن بقعة جغرافية تتمدد وتتقلص وفق معايير الميدان الحربي من دون أن تتحول الى حرب شاملة لغاية اليوم.

(نشر هذا التقرير بالتعاون مع موقع مصدر دبلوماسي)